2017-12-20 

أولئك الذين كانوا أصغر من قضيتهم

سلطان السعد القحطاني

بذل الملوك السعوديون جهدا سياسيا كبيرا من أجل دعم القضية الفلسطينية، رغم ما كان يتسبب به هذا الجهد من صدامات دبلوماسية مع الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ رئاسة روزفلت.

 

 

خلف كل أزمة سياسية كبيرة في العلاقات بين البلدين، كان السبب دائما ذلك الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل، والذي يراه السعوديون أمرا لا يمكن القبول به من دولة عظمى يفترض فيها الحياد. كان الصدام مستمراً ووجد كثيرون في القضية الفلسطينية المنفذ الذي يستطيعون من خلاله الإضرار بالوجود الدولي للمملكة على الساحة العالمية، وتأزيم علاقاتها مع دول الغرب.

 

 

كباحث في العلاقات الدولية أرى أنه لو نزعنا ملف القضية الفلسطينية من أجندة العلاقات السعودية الأمريكية، لوجدنا أن مواقف البلدين الدولية متطابقة في كافة القضايا. كان يمكن للسعودية التخلي عن القضية الفلسطينية منذ زمن لتحقيق تفوق إقليمي في الشرق الأوسط، ولوجدت دعما دوليا كبيراً في كافة القضايا التي تهمها. لكن هذا ليس بالأمر السهل للدولة الكبرى في المنطقة، والعالم الإسلامي.

 

 

منذ اللقاءات الأولى بين مؤسس المملكة العربية السعودية عبد العزيز آل سعود مع زعماء الغرب، حتى هذه اللحظة، كان الموقف السعودي واضحاً بأن للفلسطينيين حقوقا لا يمكن التنازل عنها. خلال القمة الإسلامية الأخيرة في إسطنبول أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن حديث له مع الملك سلمان: لا يمكن القبول بأي شيء سوى دولة فلسطينية وعاصمتها القدس.

 

 

ليس هذا فحسب، بل كان للقضية الفلسطينية انعكاس نفسي كبير على كل ملوك السعودية.

 

 

بعد هزيمة حزيران لم يبتسم الملك فيصل أبدا. كان له صراعات مع الحكومة الأمريكية لدرجة إن كيسنجر كان يعتبر زيارة الرياض واحدة من اللحظات الصعبة في حياته.

 

 

قدم فهد مشروعا كان تقدميا على عصره. مشروع فهد الذي قدمه في قمة "فاس" كان كفيلا بقيام كيان فلسطيني قوي قادر على البقاء. لكن العنتريات العربية أجهضته، وكان هنالك سيل من الهجوم الإعلامي في كل مكان. كان ذلك الهجوم الشخصي موجعا للملك. شعر باكتئاب حاد ولم يغادر مقر إقامته إلا قليلا. كان متعجبا من ذلك الهجوم على شخص يحاول حل قضية، ودعم شعب، وهو يرى أنه ليس محتلا، ولا بلاده تحت الاحتلال.

 

 

حين كان الملك عبد الله وليا للعهد قرر أن تكون هنالك مبادرة سياسية جديدة لدعم عملية السلام في المنطقة. قدمت السعودية المبادرة وتحولت إلى مبادرة عربية بعد أن دعمتها كافة الدول الأعضاء في الجامعة العربية. كان عبد الله من أكثر الزعماء الذين حاولوا إحداث اختراق كبير في الأزمة

 

 

 قرر إرسال رسالة شديدة اللهجة لإدارة بوش الإبن: إما حل القضية الفلسطينية أو إنهاء العلاقات بين البلدين. بعدها بأشهر جاءت أحداث سبتمبر التي خطط لها خالد شيخ الذي أقام في قطر لفترة طويلة. ودخلت العلاقات بين البلدين في منعطف جديد كان الهدف منه إشغال المملكة عن دورها الأساسي.

 

 

لم ييأس عبد الله. راعه ذلك الانقسام الشديد بين القيادات الفلسطينية، وكيف أن رفاق السلاح منشغلون بحرب بعضهم البعض. كانت حركتا فتح وحماس في أزمة خلافات عميقة. جاء مؤتمر مكة المصالحة بعد انشقاق الفلسطينيين عن أنفسهم. لم تكن المفاوضات سهلة. كان الملك عبد الله يقول بفرح بعد توقيع الاتفاق: "حين كان الحوار يشتد نفتح النافذة فيرون الكعبة وتحل الأمور". 

بالفعل كانوا في مكة وكانوا ينظرون الى الكعبة ويقسمون ويتفقون على الاتفاق.

 

قال غازي القصيبي مبتهجا في قصيدة سمعها الموقعون ومضيفوهم:

هو فتح وتحمسنا له، 

وحماس الفتح أغلى الأمنيات

 

كان من المفترض أن تكون هذه القمة هي نهاية الخلافات وتوحيد الصفوف. كانت المملكة سخية في العطاء المالي. لكن الغريب أن التقط السامعون المضيفون أحاديث قيادات فلسطينية فحواها أن هذا الاتفاق لن يتم، وحياته لن تتجاوز ساعات رحلة الوداع من مطار جدة. كانت حركة "حماس" السبب الرئيس في تعميق فرقة الفلسطينيين وتجرع الشعب مرارة الانقسام.

 

 

الأدهى من ذلك أن حماس سلمت الإدارة الأمريكية وثائق تزعم إنها تثبت دعم السعودية للإرهاب. علم عنها السعوديون ، وشهدت بعدها العلاقات أزمة صامتة، ورفض الملك عبد الله استقبال القيادات الفلسطينية لعدة أشهر.

 

 

في كل مشهد كان الزعماء الفلسطينيون يبدون أصغر من القضية الكبيرة. روى لي مسؤول عربي كبير كيف ان عرفات حين التقاه كان مشغولا بحل قضية في الهند!.  أما الخليجيون بالنسبة لأبو عمار فهم لم يعطوا القضية ما تستحق.

حين سأله القذافي عن موقفه مع دول الخليج أخرج جيبي بنطلونه الخاويتين وقال: لم أحصل منهم على شيء!

 

 

إن العقبة الأكبر التي تعطل إحراز أي تقدم في القضية الفلسطينية عائدة إلى أن القيادات الحالية هناك عاجزة عن الحل والمواكبة. حان الوقت لإعطاء فرصة أكبر لجيل جديد لديه أفكاره الخاصة، ورؤيته للحل، والمنطقة، والعالم. هذا هو الحل الممكن، رغم إني أعرف أن هنالك كثيرون لا يريدون لهذه القضية أن تحل، لأن ذلك يلغي وجودهم الأساسي.

 

 

 

إن السعودية دولة كبرى في الإقليم ولا تستطيع أن تغمض عينيها بهدوء وتترك المنطقة لمقاديرها. يخطئ القادة الذين يعتقدون إنهم يستطيعون طلب الأدوار من التاريخ. إنه العكس. التاريخ هو من يطلب منك دوراً، وفعلاً. وأراه يطلب من المملكة ذلك، لا الزعماء الفلسطينيين، فهم أثبتوا دائما أن القضية أكبر منهم ... جداً.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه