2015-10-10 

هذا ما يحدث في فنائنا الخلفي... في اليمن!

سلطان السعد القحطاني

ما يحدث في اليمن يزعج السعوديين كثيراً، ومن خلفهم الغرب، خشية أن يتحول هذا البلد ذو الجغرافيا المتوحشة، إلى مرتع جديد لتنظيم القاعدة. قبل نحو عامين كونت الرياض وواشنطن ولندن غرفة عمليات مشتركة لتقييم ما يحدث في اليمن، ودراسة كافة الخيارات التي تحمي بنية الدولة اليمنية، بغض النظر عن هوية الرئيس. الرياض كانت الأكثر قلقاً من بين جميع أصدقاء اليمن، لأن أي حركة غير محسوبة قد تؤدي إلى آثار عكسية على الرياض أولا، قبل غيرها. عبر هذا التعاون استطاع الحلفاء تصفية عدد كبير من رؤوس تنظيم القاعدة، وقطع الطريق على التنظيم من أن يصبح واقعاً مفروضا في الجمهورية اليمنية المتكلسة. لدى الرياض أسبابها الكثيرة لترقب ما يحدث في اليمن بشيء من القلق، فهذه هي البوابة الدامية كانت ممراً آمنا لأطنان من الأسلحة، والذخيرة، بسبب وعورة تضاريسها الحدودية، الأمر الذي يجعل من الصعوبة ضبطها بشكل كامل. كما أنها مصدرة لعدد من أفراد تنظيم القاعدة، ولم يكن آخرهم بطل محاولة اغتيال وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف. ولا ننسى أنها خزان المعلومات الأكبر عن معظم التنظيمات الإرهابية في المنطقة. الصداع اليمني حالة ذات تاريخ طويل بالنسبة للسعوديين. لم تكن الرياض تؤيد الوحدة بين الشمال اليمني وجنوبه، لعدة أسباب كان أهمها أن الوحدة بالسلاح، دون غطاء شعبي، لا يمكن أن تنجح على المدى الطويل. كما أن اليمن المنقسم كان أكثر سلاماً، وقدرة على ضبط حدوده، إما بالاختيار، أو بسبب الانشغال بالداخل. كان الشمال اليمني مزعجاً، لكن الجنوب ظل الخيار الأفضل بالنسبة للسعوديين. رغما عن الملهاة اليمنية المستمرة كانت الحدود السعودية آمنة. كان الخليج كله يترقب كافة تفاصيل الحرب، ويحلل نتائجها، لكن السعوديين كانوا الأكثر تحسساً، لأن الواقع الذي ستفرضه الحرب اليمنية، سيجعلهم أمام معطيات جديدة. وقع نبأ قرب انتصار القوات الشمالية على السعوديين وقع الصاعقة، فالوحدة اليمنية بهذه الطريقة ستكون مشلولة، وآخر ما تريده الرياض نصف دولة، مهجورة، على حدودها الجنوبية ! كان الملك فهد، من ذلك النوع من السياسيين الذين لا يحبون التحرك بسرعة، لكنهم إذا تحركوا لا يتوقفون في منتصف الطريق. كان واقعياً يعرف ان أهم مفاتيح اللعبة السياسية هي الدول ذات الأساطيل، وخصوصاً: أميركا، وبريطانيا. كل تحركاته كانت تبنى غالبا على تحالفه مع هاتين العاصمتين، من خلال سفيره القوي بندر بن سلطان. كان يعتقد أنه يمكن إسقاط التجربة الكويتية على ما يحدث في اليمن: الانتظار حتى يتم الاحتلال الكامل لليمن الجنوبي، ثم قرار من مجلس الأمن، ثم التدخل العسكري. يقول لي سياسي سعودي عن تلك الحقبة: "حتى العظماء يخطؤون أحيانا". لم تحبذ واشنطن فكرة التدخل، وفعلت لندن الشيء ذاته، وبدا ان السعوديين لن يتمكنوا من حشد تحالف دولي كما حدث في حرب تحرير الكويت. تابعت الرياض حرب اليمنَين بشكل مكثف. كان السعوديون يصلّون كي لا تنتصر صنعاء، ولا تُهزم عدن. تقول الروايات الوثيقة أن غازي القصيبي قال لملكه ما مؤداه: "لدينا خيارين فقط، إما أن نرسل القوات السعودية في الحال ونقلب ميزان المعركة، وإما أن نعترف باليمن الموحد". فيما بعد اعترف الملك فهد بما حدث، ثم دخل الأمير سلطان على الخط واحتوى اليمن كله بطريقته الخاصة، والتي لا يجاريه فيها أحد. لعبت المملكة أدواراً مهمة في التاريخ اليمني، وأهمها تعزيز مكانة الرئيس علي صالح، وإزاحة عبد الله الأحمر عن طريقه، أو على الأقل جعلهما يسيران في طريقين متوازيين دون تصادم. دخول عبد الله الأحمر على الخط كان خبرا مزعجا للسعوديين. شيخ قبيلة يتحول إلى حاكم، وفي دولة حدودية للمملكة؟ هنا دخل الأمير سلطان بحكم توليه الملف اليمني، ليتفاوض مع الأحمر، الذي تحول فيما بعد إلى أعز الأصدقاء، وأقرب المقربين. كانت الرياض تصر على انسحاب الأحمر من المعركة بأي طريقة. رفض الأحمر مبرراً رغبته بأنه يريد العودة إلى الساحة الشعبية، عبر إعادة السلطة للشعب لا العسكر. بعث السعوديون طائرة تحمل مراسيل رسميين، وبها رسالة مختلفة، من نوع توجّس منه الأحمر خيفة. قيل للأحمر استقبل الرسالة مباشرة من الطائرة لكنه رفض، بعد ساعات اقتنع، وحين اقترب من الطائرة عُرج به إلى السعودية رغما عنه. وهناك تم الاتفاق على انسحابه. في العام 1978 حكم اليمن علي عبد الله صالح، ثم أيده الأحمر قائلاُ إن "هناك اعتبارات إقليمية ودولية" حملته على هذا التأييد. فيما بعد عملا سوياً، وكانت الثنائية ناجحة، حمت اليمن من مخاطر كثيرة، وعززت الفوائد الاقتصادية السعودية لصالح اليمن. يضاف إلى رجالات الملف اليمني في الرياض، دور مهم استمر لسنوات طويلة بقيادة علي بن مسلّم، وهو مسؤول سعودي أصبح فيما بعد مستشاراً للملك فهد، والذي كان موجودا في اليمن لحظة اغتيال الرئيس الغشمي. في كثير من الأحداث على الساحة اليمنية، كان اسم الرياض يتردد كثيراً، همساً أو تصريحاً، فقد كانت متهمة في عدد من الاغتيالات. للتاريخ لا توجد وثيقة تدين السعوديين، وللتاريخ أيضاً لا توجد وثيقة لا تدينهم. هناك الكثير يمكن أن يقال عن تاريخ السعوديين في اليمن، يمكن أن يغري الباحثين، ويثري عددا من الكتب. توفي عبد الله الأحمر، أدى الأمير سلطان الصلاة عليه، ومعه مفتي المملكة، وكبار الأسرة الملكية. يبدو أن شيئاً مات أيضا في العلاقة بين الحليفين التقليديين. صافح أبناؤه الأمراء السعوديين، لكن رجال الحكم الكبار في السعودية لم يجدوا بين أبناءه شبيهاً لهذا الرجل المسجّى على النعش، لا في القدرة، ولا الذكاء، ولا على فهم التوازنات الإقليمية والدولية. بعدها ذهب أبناء الأحمر بتحالفاتهم إلى قطر، وذهب نفوذهم القبلي والسياسي. دخلت العلاقات بين البلدين نفقاً آخر بعد وفاة الشيخ عبد الله الأحمر، فقد شعر علي عبد الله صالح أنه يستطيع اللعب وحيداً في ظل غياب الكبار المزعجين، وزاد غروره المصطنع. يمكن أن نلاحظ الرغبة الدفينة في الابتزاز المستمر للرياض التي شكلت سنوات حكمه الأخيرة. بعد سنوات من حكم علي عبد الله صالح بدأت سنوات اللعب على الحبال مع اليمن. كان الشمال اليمني مزعجا، إلى حد الابتزاز أحيانا، أبطاله سياسيون، ورجالات قبائل، باستثناء قلة قليلة عاقلة. لكن الأمير سلطان تولى المسالة بذكاء وصبر فولاذي. كان سلطان لا يغضب إلا نادراً، لكن حين يغضب تكون إرادته نافذة. كان أشهر تحرك على الساحة اليمنية حين حاول الحوثيون اختبار القدرات السعودية، واخترقوا حدودها الجنوبية. كان الرد قاسياً جداً. أرادت الرياض من هذا الرد أن يكون رسالة كبرى للداخل، وللحكومة اليمنية، ومن خلفهم في طهران والدوحة. كانت أهم رسالة هي أن الرياض لن تتنازل عن وضعها القوي في اليمن لصالح أي قوة أخرى، مهما كلف الأمر. ولا أعتقد انها ستسمح بنجاح أي مشروع لا يرتبط بمصالحها في المستقبل القريب. اليمن فناء السعودية الخلفي الذي تعرف دهاليزه، وشخوصه، بل حتى الدُمى السياسية الشهيرة فيه، منذ نصف قرن، لذلك تستطيع اللعب بطريقة مختلفة، وأكثر إيلاماً، إن أرادت!

التعليقات
مسفرالغامدي
2015-03-23

يبدو بأن من يدير الملف اليمني لم يقوم بقراءه الموقف بشكل جيد او ان المعلومات الاستخباريه سواء من مصادرنا السعوديه او اليمنيه لم تكن دقيقه الا مور تتسارع ولا بد من اقدام علی الارض حتی تكون الملومات انيه وان تكون مصادرنا مستقله لا مصالحنا التكتيكيه والاستراتيجيه لا تتقاطع مع الجانب الامريكي او البريطاني فلكل مصالحه ولكن لا يمنع ان ناخذ ما يهمنا كما امل ان لا يترك اداره للداخليه فقط بل ان تقوم وزاره الدفاع بدورها كاملا والقيام ببعض العمليات الا جهاضيه للمساعدات الايرانيه خاصه الطائرات التي تنزل في صعده بحجج مختلفه وهي كثيره مثل دخول المجال الجوي واعتراضهاا وانزالها في مطاراتناا الجنوبيه هذا يعطي كثير من الردع كما عده رسأئل مهمه.

أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه