2018-09-21 

الزعيم المناضل : بشير السعداوي مستشار الملك عبدالعزيز ومندوبه الأمين

فهد الشمري

استطاع أن يكوّن له دورا بارزا في محاولات الاستقلال في ليبيا، قبل أن تنفيه الحكومة الليبية عقب تحقيق هدفه المنشود، ليعمل مستشاراً عند مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ويكون ضمن «كوكبة مستشاريه»، وليرحل عن عالمنا بعد أن حقق أهدافا وأخفق في أخرى، لقد كان وطنياً جاهد لوحدة بلاده وناوأ التقسيم وخططه.

 

المناضل بشير ابراهيم محمد السعداوي 

ولد بمدينة الخمس سنة ١٨٨٤م وهو من أهالي مصراته من قبيلة الغلالبة التي تنتسب إلى بني الأغلب وجدهم الأعلى الشيخ أبو محمد عبد السلام .

 

الأغالبة وبنو الأغلب: سلالة عربية حكمت في إفريقيا من شرق الجزائر الى تونس إلى غرب ليبيا مع جنوب ايطاليا و صقلية ٨٠٠م --- ٩٠٩م وقد أسس حكم هذه الأسرة الأغلب بن سالم بن عقال التميمي.

 

أما عن تعليمه فقد نهل الزعيم بشير السعداوي رحمه الله من عيون التعليم الأول بالطريقة الكُتابية ، وذلك بقراءة القرآن فى الزاوية السنوسية بمدينة سرت ، وبها أتم حفظه للقرآن الكريم ، ودرس الفقه المالكي وعلوم أخرى ومن بعد ذلك واصل تعليمه الأولي فى المدرسة الرشدية بمدينة الخمس ، وكان متفوقاً حيث تخرج منها سنة ١٩٠٤م وكان لتعليمه القرآني الفضل الأكبر فى تبلور شخصيته حيث تجلت بالاستشهاد بالآيات القرآنية فى أحاديثه وخطبه وفى طرحه وعرضه لإقناع الغير وكان في نفسه شعور عميق بالعزة الإسلامية وكان يؤمن ، ويأمل بأن يحقق للإسلام كيانه ودولته .

 

 

بدأت مرحلة الجهاد ضد الغزو الايطالي عندما هاجم الاسطول طرابلس وقصفها ١٩١١/٣/١٠م وتغير المتصرف الدكتور رشيد الشركسي فحل محله المتصرف شفيق بك فعين بشير السعداويقائم مقامالساحلساحل آل حامد القريب من الخمسفأخذ على عاتقه تنظيم صفوف المجاهدين لمقاومة العدوان الايطالي ، ثم اصبح رئيساً للمجاهدين في منطقة الساحل . لكن روما دفعت بقوات اضافية كثيفة أجبرت المجاهدين على مغادرة المرقب، وانتقلت المعارك الى معسكر السوالم، وفلاجة ومصراته، واستمرت في الغرب بقيادة آل السعداوي و بعد ذلك اسفرت المفاوضات العثمانيةالايطالية عن معاهدة لوزان في عام ١٩١٢م فمنحت السلطنة العثمانية ليبيا الاستقلال، لكن ايطاليا قررت احتلالها ، و بعدما عجزت المقاومة الوطنية الليبية لم يجد آل السعداوي ومن معهم من الوطنيين الليبيين سوى طريق الهجرة بحراً ، وبعد رحلة بحرية شاقة وصلت باخرة المهاجرين الى حيفا في فلسطين، ومن هناك انتقلوا بالقطار الى دمشق فاستقبلهم والي دمشق ناظم باشا، وأمن لهم إقامة طيبة

 

ومن ثم انتقل بشير السعداوي مع شقيقه نوري السعداوي الى اسطنبول ثم صدر أمر توظيف نوري السعداوي في ديوان المحاسبة في بيروت فرحل اليها وعين بشير مديراً للتحريرات، أي وكيل متصرف في مدينة ريزة الواقعة في شمال شرقي تركيا على ساحل البحر الأسود فالتحق بعمله ، وأثناء وجوده في ريزة تعرضت المدينة لضغط من الأسطول الروسي، ولم يرضخ السعداوي للضغط الروسي بل تعامل معهم بشمم وكبرياء ، وبدأت الحرب العالمية الأولى فبدأ بشير بتجهيز المعلومات عما يمكن اعداده »لسفر برلك« من قوات »الرديف«، وصار وجود السعداوي في ريزه مصدر قلق روسيعثماني، لأن الروس وجدوا به عدواً لهم في ريزه، وللخروج من هذا المأزق منحته الحكومة إجازة مدتها ثلاثة أشهر فسافرإلى بيروت حيث يقيم نوري السعداوي وبعض المجاهدين الليبيين، وبعد انقضاء الإجازة عاد السعداوي إلى اسطنبول فوجد قوات الاحتلال الإنجليزي على أبوابها فلم يمكث فيها طويلاً اذ ذهب الى مدينة بورصة التركية فقابل فيها أحمد الشريف ، وبدأ ببحث طرق تحرير ليبيا من الاحتلال الايطالي عملاً بمبدأ »حق تقرير المصير« الذي أعلنه الرئيس الأميركي ولسون وبدأ التنقل ما بين بورصة واسطنبول لحشد التأييد اللازم لطرح قضية ليبيا على مؤتمر الصلح في باريس، وعندما أوشك على السفر احتلت اليونان ازمير وشكل مصطفى كمال أتاتورك مؤتمراً قومياً تركياًوطنياًفي أرض روما كما شكل حكومة معارضة للسلطان، و فقد السعداوي الأمل بالحصول على الدعم العثماني ثم عاد بشير السعداوي ثانية إلى ميادين الجهاد الليبية مع أخيه نوري السعداوي ، ومن معهما وتولى قائم مقامية سرت وقاد المعارك الحربية ضد الطليان انطلاقاً من سرت، وأسفرت الحرب عن سقوط مصراته، وترهونة، وغريان، وزليطن، وبني وليدورفلة”.ثم خرج آل السعداوي و المجاهدون مهاجرين ثانية بعد انهيار المقاومة الليبية وانسحب بشير الى الجنوب، ومنها الى سيوه المصرية، ثم صدرت بحق بشير السعداوي وأخيه نوري قرارات إيطالية بالاعدام .

 

قصد السعداوي الإسكندرية فأقام فيها وكان تحت المراقبة فغادر مصر ، ووصل الى بيروت وبدأ المباحثات مع وكيل ايطاليا لحل القضية الليبية دون جدوى وفي تلك الأثناء كانت الثورة السورية مشتعلة ضد الفرنسيين ، وصدر قرار المفوض الفرنسي المسيو دي جوفنيل بتكليف أحمد نامي الشركسي برئاسة دولة سورية، ووافقت الكتلة الوطنية على ذلك . وعيّن بشير السعداوي مستشاراً للداماد أحمد نامي، لكن فرنسا حلّت الوزارة وحلت محلها وزارة جديدة فشكل بشير السعداوي في دمشق برئاسته »اللجنة التنفيذية للدفاع عن القضية الطرابلسية البرقاوية« وأقام السعداوي علاقات ممتازة مع رجال الكتلة الوطنية السورية بقيادة هاشم الأتاسي. وطلبت إيطاليا من سلطات الإنتداب الفرنسي في سورية ولبنان تقييد حركة السعداوي، وأنذرته سلطات الإحتلال وهددته بالترحيل ، وقاد السعداوي حملة مشرفة في مجال الصحافة ففضح جرائم الإيطاليين، وردّ على عملائهم. وأصدر كتاب »الفظائع السود الحمر« وقد باشر بتأليفه ونشره بتشجيع من الأمير شكيب ارسلان فجاء الكتاب وثيقة دامغة ضد الفاشستية الايطالية لم تقتصر جهود بشير السعداوي على الكتابة والنشر بل ساهم في المؤتمرات الاسلامية، ومنها المؤتمر الاسلامي في القدس سنة ١٩٣١م حين دعاه الحاج محمد أمين الحسيني لحضور المؤتمر وتقديم تقرير عن قضية ليبيا لأنها مسألة من المسائل التي يتناولها المؤتمر. وحضر السعداوي المؤتمر الذي انعقد برئاسة السيد محمد أمين الحسيني، واختار المؤتمر السعداوي عضواً في اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي كما اختاره عضواً في لجنة الدعاية والارشاد، ثم عينه مفتشاً لنشر أفكار المؤتمر في سورية ولبنان وبعد المؤتمر الإسلامي انعقد في القدس »المؤتمر العربي« الذي حضره بشير السعداوي وفي ذلك الوقت أُنتخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية السورية، فقررت تلك الوزارة الوطنية انشاء محافظة بادية الشام السورية، وقرر رئيس الحكومة جميل مردم بك ان يتولى شؤون هذه المحافظة بشير السعداوي، لكنه رفض الوظيفة بذريعة أنها من حق أحد أفراد الكتلة الوطنية السورية وفي ذلك الوقت عقد الملك عبدالعزيز رحمة الله معاهدة صداقة وحسن جوار مع الامام يحيى حميد الدين لكن يحيى نَقضَ عهوده وحرّك الفتن في عسير وهاجم المتمردون الحاميات السعودية، فأمر الملك عبدالعزيز بوضع حد للفوضى بعدما هاجم الزيديون رعايا قبيلة يام الموالية واستمرت القلاقل حتى أعلنت الحرب في ١٩٣٤م. ووصلت الأخبار المؤسفة الى الحاج أمين الحسيني رئيس المؤتمر الاسلامي، فانتدب بشير السعداوي عضو اللجنة التنفيذية للقيام بالمساعي الحميدة لوضع حد للصراع بين السعودية واليمن وعلى الفور توجه إلى مكة المكرمة فاجتمع بالملك عبدالعزيز وفاتحه بالموضوع فوعده خيراً وقاما معاً بأداء فريضة الحج وألقى الملك عبدالعزيز رحمه الله خطاباً مطولاً بالوفود يتضمن شرحاً صادقاً لأسباب الخلاف مع اليمن وبعد الخطاب تكلم السعداوي مع الملك عبدالعزيز وطلب منه قبول الوساطة لحقن الدماء فوافق الملك عبدالعزيز على حضور وفد معتمد من قبل المؤتمر الاسلامي وأعقب موافقته الشفوية بموافقة خطية إذ أبرق الى سماحة رئيس المؤتمر الاسلامي الحاج أمين الحسيني، وأبرق رئيس المؤتمر الاسلامي الحاج أمين الحسيني من القدس الى جلالة الملك عبدالعزيز في مكة المكرمة، وإمام اليمن يحيى في صنعاء في بتشكيل وفد المساعي الحميدة. ووصل الوفد الذي اختاره المؤتمر الاسلامي الى جدة وبعد مباحثات في مكة المكرمة انتقل الوفد الى الطائف ووصل وفد يماني برئاسة عبدالله بن الوزير وكانت المعارك دائرة في بعض المواقع الحدودية وإزاء الانتصارات السعودية أبرق يحيى الى مكة يطلب وقف القتال، فأصدر الملك عبدالعزيز أوامره بإيقاف القتال وتولى وفد المؤتمر الاسلامي الوساطة بين الوفد السعودي والوفد اليمني ، وتوصلت الوفود الى توقيع معاهدة الطائف ثم صدَّق على المعاهدة جلالة الملك عبدالعزيز في الطائف وأُرسلت الى يحيى فوقع عليها في صنعاء ووضعت تلك المعاهدة الأسس الموضوعية لعلاقات حسن الجوار، ورسمت الحدود بين الدولتين الشقيقتين . ومنذ ذلك الوقت نشأت بين جلالة الملك عبدالعزيز والمجاهد بشير السعداوي صداقة أخوية ، فعاد وفد المؤتمر الاسلامي الى دمشق بعدما تكللت مهمته بالنجاح وبرزت في دمشق فكرة انشاء »المكتب العربي« وبحث هذه الفكرة بشير السعداوي وفخري البارودي من مدينة حماة، وكان شخصية وطنية ووافق السعداوي على الفكرة، وفُتح المكتب في منتصف سنة واصبح مركز »المكتب العربي« في حي القنوات في دمشق، وضم اقساماً بعدد المشاكل التي تعانيها البلدان العربية، واستمر المكتب حتى أغلقته السلطات الفرنسية اثناء الحرب العالمية الثانية شعر الحاج أمين الحسيني بالخطر الصهيوني فدعا إلى مقاطعة البضائع اليهودية، واتفق مع السعداوي ورياض الصلح على »الدعوة للوحدة العربية«.

 

وعول الثلاثة على طرح الفكرة على الملك عبدالعزيز رحمه الله. وسافر الثلاثة لأداء فريضة الحج وبعد أداء الفريضة عرضوا فكرتهم على الملك عبدالعزيز وبعد عودتهم أذاعت بريطانيا تقرير »بيل« فتحركت اللجنة العربية العليا برئاسة الحاج امين الحسيني، ودعت إلى عقد »مؤتمر عربي« وأرسلت اللجنة بشير السعداوي الى مصر، فأخذ رسالة من رئيس الحكومة السورية جميل مردم بك الى رئيس الحكومة المصرية مصطفى النحاس كي يساعد على عقد المؤتمر في القاهرة ونزل السعداوي في الاسكندرية وعرض الفكرة على الأمير عمر طوسون فرفض طوسون الفكرة، وحملت رسالة جميل مردم بك الى النحاس باشا فرفض عقد المؤتمر في مصر، وانعقد في بلودان السورية فاضطربت الأحوال السياسية العالمية فبدأ الطغيان النازي يهدد الأمن والسلام في العالم قُبيل نشوب الحرب العالمية الثانية، وشعر الزعماء العرب بالخطر العالمي يتقدم نحو الأقطار العربية والاسلامية

 

إزاء ذلك الوضع الرهيب قرر قادة الكتلة الوطنية في الجمهورية السورية التشاور مع إخوانهم في المملكة العربية السعودية لاتخاذ موقف عربي اسلامي موحد تجاه الأخطار الجديدة، وأجمع قادة الكتلة الوطنية على إرسال بشير السعداوي لمقابلة المغفور له الملك عبدالعزيز، واستشارته في ما يجب إتخاذه من احتياطات، ومن أجل الاتفاق على خطة موحدة تحافظ على البلاد والعباد ركب بشير السعداوي البحر فوصل الى ميناء جدة، والتقى الملك عبدالعزيز، وعرض عليه المهمة التي حمّله اياها قادة الكتلة الوطنية في دمشق، وسُرَّ لهذا الموقف من قادة دمشق الوطنيين، وزوده بالنصائح ومايجب اتخاذه وبعد انتهاء المباحثات حصل لقاء بينه وبين المرحوم الملك خالد وحينذاك أفضى سموه للسعداوي برغبة والده الملك عبد العزيز في توظيف السعداوي مستشاراً له. ثم طرح الملك عبد العزيز الموضوع على السعداوي مباشرة. و طلب من السعداوي ان يُعطيه عهداً على قبول العمل كمستشار. فأجابه السعداوي: أنه موفدٌ من قبل إخوانه في دمشق بمهمة، وواجبه يقتضي إبلاغهم جواب جلالته. فأجابه الملك عبدالعزيز: لا بأس بذلك . تذهب إلى إخوتك في سورية ثم تعود إلينا عند موسم الحج فنتقابل«. كان ذلك الحديث في شهر رمضان المبارك عام ١٩٣٨م. فوافق السعداوي ورجع الى سورية، وأبلغ قادة الكتلة الوطنية توجيهات الملك عبدالعزيز بخصوص الأحداث العالمية، وما يجب اتخاذه من احتياطات ومواقف. كما أبلغهم السعداوي رغبة جلالة الملك باتخاذه مستشاراً له. وفي نهاية شهر ذي القعدة توجه بشير السعداوي شطر البيت الحرام فأدى فريضة الحج، وبعد انتهاء موسم الحج توجه الى الرياض وباشر عمله مستشارا لملك المملكة العربية السعودية واضطربت الأحوال السورية، إذ بدأت فرنسا بالمراوغة، فرفضت التصديق على معاهدة ٩ أيلول ووافقت على اعطاء لواء اسكندرون الى مصطفى كمال أتاتورك، فاضطر المرحوم جميل مردم بك الى تقديم استقالة وزارته، وأعقبها وزارتان استقالتا ايضاً، حتى رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي قدم استقالته وقام المفوض غبرييل بيو بتعطيل الدستور وحل البرلمان وشكل مجلس المديرين لإدارة البلاد حسب ما يريد هو مباشرة.

تابع الملك عبدالعزيز ما يجري على الساحة السورية، وشعر بضرورة شدِّ أزر الكتلة الوطنية فأوفد مستشاره السعداوي الى دمشق ، فقضى السعداوي عدة أسابيع في سورية ولبنان ثم عاد الى الرياض عن طريق العراق وتوالت مهمات بشير السعداوي اذ أوفده الملك عبدالعزيز مع الأمير محمد بن عبدالعزيز والسيد طاهر رضوان الى اليمن، فسلم السعداوي كتاب الملك عبدالعزيز للامام يحيى فقرأ وهو يُرَدٍّدُ :

»كتاب كريم من رجل عظيم«

وبقي الوفد في صنعاء ٥٢ يوماً، ودارت المباحثات حول توثيق عُرى الصداقة السعوديةاليمنية فأبدى الامام تفهمه لضرورة تقوية العلاقات السعوديةاليمنية، لكنه أبدى شكوكه بإمكان قيام الوحدة العربية. ولاحظ السعداوي قوَّة النفوذ الايطالي في صنعاء وبعد الحصول على جواب ايجابي من الإمام يحيى، لم يتمكن الوفد من العودة بالسيارات، فاقترح المعتمد الايطالي إعادة الوفد الى جدة على متن بارجة ايطالية، فاعتذر السعداوي وكتب الى جلالة الملك يخبره بعدم امكانية صعوده الى بارجة ايطالية بسبب حكمهم عليه بالإعدام، فأرسل الملك عبدالعزيز الى الامام يحيى يخبره بذلك، فعرض الامام اليمني ان يكتب الى موسوليني ليصدر عفواً عن السعداوي، لكن السعداوي رفض ذلك وأعرب للامام يحيى عن اعتباره حكم الاعدام شرفاً كبيراً له، وهو يرفض العفو من طاغية يحتل بلاده. وازاء ذلك الموقف استأجرت المملكة باخرة هندية قامت بنقل السعداوي والبعثة الى جدة، ومنها تابعوا طريقهم الى الرياض، فسلّم السعداوي جواب الامام يحيى للملك عبدالعزيز ونقل السعداوي صورة واضحة لما سمعه ورآه في بلاد اليمن.

 

وبقي السعداوي في المملكة وشهد أحداث العراق وانقلاب رشيد عالي الكيلاني، ومسألة لجوئه الى المملكة. ولم يكن الملك يحب الكيلاني ، ولكنَّه حماه، واستدعى الوزير الانجليزي المفوض جرافتي سميث، وقال له: »إن رشيد عالي قد جاء ملتجئاً إلينا، وإني إنما استدعيتك حالاً لِتُبَلِّغ حكومتك ان هذا الرجل ضيفي، وتخبرهم بأني لا أسلم ضيفي «، فدُهش الوزير الانجليزي، وسلمت الحكومة الانجليزية بالأمر الواقع. وطلب نوري السعيد استرداد الكيلاني من السعودية بعدما شكَّل وزارته فرفض الملك عبدالعزيز طلب نوري السعيد، وبقي الكيلاني في السعودية.

 

ومن الأحداث التي شهدها السعداوي إلى جانب المغفور له الملك عبدالعزيز مسألة قيام الجامعة العربية وبعد زيارة الملك فاروق الأول للمملكة واجتماعه مع الملك عبدالعزيز في موقع رضوى، تقاربت وجهات النظر بخصوص إنشاء الجامعة العربية. ورافق المجاهد بشير السعداوي الملك عبدالعزيز رحمه لمقابلة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، وذلك بعد مؤتمر يالطا الذي عقد في شبه جزيرة القرم عام 1945م.كما حضر السعداوي المقابلة التي تمت بين الملك عبد العزيز والرئيس الاميركي روزفلت على ظهر البارجة فوق مياه البحر الأحمر وبعد المقابلة ذهب جلالة الملك عبد العزيز والسعداوي الى الفيوم في مصر بينما ذهب روزفلت الى الاسكندرية، ونزل الملك عبدالعزيز ومن معه في فندق البحيرة. وحضر الى الفيوم رئيس الوزراء الانجليزي تشرشل، ووزير خارجيته أنطوني ايدن، وسفيره في مصر اللورد كيلرن وعقدوا اجتماعاً مع الملك. وممن زار الملك عبدالعزيز في الفيوم الملك المصري فاروق، ورئيس الجمهورية السورية الراحل شكري القوتلي. وتردَّد بشير السعداوي الى مصر مرافقاً للملك عبدالعزيز وفي أثناء ذلك وقف على تفاقم الخلاف بين المجاهدين الطرابلسيين، والأمير ادريس ومن معه من البرقاويين وعاد السعداوي الى القاهرة في شباطفبرايرمن السنة نفسها، ثم حضر مع سمو الأمير سعود ولي العهد السعودي آنذاك مؤتمر الملوك العرب في انشاص وشاهد السعداوي ما يتهدد بلاده من خطر التمزق جراء التآمر الانجليزي فاستأذن من جلالة الملك سعود الذي عمل معه مستشاراً بعد أبيه لكي يتفرغ لتحرير بلاده وتوحيدها عندما اوشكت على الضياع . فأذن له حرصاً على مصالح الأمة العليا. فتشكلت برئاسة بشير السعداوي »هيئة تحرير ليبيا« واجتهد السعداوي لتقريب وجهات النظر بين ادريس السنوسي وعبدالرحمن عزام، وبدأت مفاوضات عسيرة بين الطرابلسيين والبرقاويين، اسفرت عن استقلال المملكة الليبية المتحدةبرقة وفزان وطرابلسوجرت الانتخابات في ليبيا ، ولكن لم يعلن الملك ادريس نتائج الانتخابات التي جرت لأنها كانت لصالح بشير السعداوي ، و ثار الشعب الليبي على تزوير الانتخابات وخرجت التظاهرات تهدد بالعصيان المدني، فتصدت لها قوات الشرطة بقيادة ضباط انجليز تطلق النار فسقط الشهداء في صبراتة والزاوية وترهونة وطرابلس، فأصدر محمود المنتصر وفاضل بن زكرى قراراً بابعاد بشير السعداوي لأنه يملك جواز سفر سعودياًيعني أجنبيوأبعد الزعيم وشقيقه نوري السعداوي وكل الأسرة الكريمة. وقضى السعداوي ما تبقى من حياته في بيروت حتى توفي رحمه الله عام ١٩٥٧عن عمر يناهز ٧٤عاما وفي عام ١٩٧٣تم نقل رفاته الى مدينه طرابلس ودفن بمقبرة الشهداء ولقد كان السعداوي رحمه الله بطلاً عربياً مناضلاً فلم يقتصر نضاله على توحيد بلاده فقط بل كان حريصاً أيضاً على وحدة الدول العربية وضد كل مايهدد أمنهم واستقرارهم لقد أستعرضت لكم سيرة المناضل السعداوي استناداً إلى مصادر تاريخية ليبية وعربية، كمقالة محمود السيد الدغيم «بشير السعداوي.. سيرة رجل وسيرة أمة»، وما كتبه الدكتور فرج نجم في مجلة «جيل ورسالة».

اللهم ارحم بشير السعداوي وارحم المناضلين الأحرار الذين ضحوا بحياتهم من أجل وحدة واستقرار بلدانهم. .

 

فهدالشمري

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه