2018-12-13 

" الصيحة " التي جعلتني عاشقاً

فيصل العسيري

قلت بشكل سريع وبدون تردد: هذا الحضور هو بقايا لجمهور كنا نتوقع بأنه مؤقت، وسيغيب يوماً ما، ولم يكن ذلك الطموح والأمنية التي ينشدها المهتمين بالسباقات، وعلينا أن ندرك ونعي أننا بحاجة لجمهور مختلف، يعرف خبايا وأسرار هذه الرياضة، ويفهم ماذا يحصل؟ ويعرف كيف تتم أحداث السباق؟ ومواطن إثارته؟ حتى يبقى! وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه المعنيين بالأمر. كان هذا جوابي لصديق أخبرني بأن المسابقة التي تعود عليها الحضور في سباقات ميدان الملك عبدالعزيز قد توقفت!

 

هنا أحاول أن أصل معكم إلى أن خلق قاعدة جماهيرية لسباقات الخيل يكمن في غياب الموقف "المؤثر" الذي يواجه صعوبة فهم العملية الكاملة في سباقات الخيل، بالمقارنة مع الرياضات الشعبية الأخرى، وهو تحدي كبير يواجه انتشار سباقات الخيل بالشكل السائد لبقية الرياضات الأخرى أو الهوايات الدارجة بين الناس. أعتقد هنا لا خلاف ظاهر بيننا كملاك أو مدربين منتمين لنادي الفروسية في فهم ذلك، فنحن نعرف نشتري كرة قدم بمبلغ بسيط ونلعب بها، أو نتابع مباراة كرة قدم في الإسطبل، ونفهم ماذا يحدث، ونحلل ونتناقش وتنتهي المسألة، ولكن في نفس الوقت وقد تكون مفارقة عجيبة، أن غالبيتنا ليس لديه جوادا هادئاً خصصه للركوب أثناء زيارة أصدقاءه من خارج الوسط لماذا؟ السبب بسيط جداً، هذا الأمر ليس من أولوياتنا، نرى بأن هناك ما هو أهم،  مما يعني أن الموقف "المؤثر" لمن يزورك في إسطبلك سيغيب، ولن يعدو إلا في كونه شاهد خيلا عن قرب ووثق ذلك بصورة كحدث عابر.

 

تماما ينطبق القول في مسألة الحضور للسباقات، تستطيع أن تلفت الأنظار لك في سباقات الخيول، وتجذب جمهوراً كبيراً، فقط جهز ميزانية ضخمة لفعاليات متنوعة وجوائز وغيرها، وحتماً سيأتيك الجمهور، وستمتلئ مدرجاتك، وستسمع هتافاتهم، لكنك لا تستطيع أن تضمن بأنهم سيعودون اليك مرة أخرى إذا توقفت أو تراجع اهتمامك، فالمنافسة في التسويق بين الأنشطة الرياضية الآن باتت شرسة، وفي نهاية الأمر ارتباطهم بالحضور مرهوناً بما تقدمه من مغريات، وليس لمعرفة مكتسبة، أو إثارة معروفة أسبابها، وسيبقى معك القليل ممن راقت لهم الفكرة، أو المرتبط بها تاريخياً وعائلياً ومهنيا، وهذا كما يقال "مربط الفرس" والرهان الحقيقي الذي يواجه صناع القرار الفروسي، في بناء جيلاً جديداً يهتم برياضة الفروسية ويسبر أغوارها ويتفاعل مع أحداثها و إعلامها.

 

من ذلك أعود نحو الموقف " المؤثر" والذي يجب أن يخلق في سباقاتنا، ويستثمر فيه، سألت مجموعة من الشباب الهواة لركوب الخيل في إسطبلات الجنادرية عن أسباب ممارستهم لهذه الهواية، إجابتهم كانت متربطة بموقف، منها أن أحدهم كان متأثراً بشخصية الزير سالم وجواده المشهر، وآخرا تعلقت في ذهنه وهو طفل من كتب قصص الأطفال ومشابه ذلك، والحال نفسه لو سئل كل شخص أرتبط بالفروسية من دون ذلك التأثير العائلي أو التاريخي ، سنجد أن هناك موقفاً مؤثراً كان وراء تعلقه بهذه الرياضة، وحيث كنا أطفالاً كان لصوت أهازيج الفرحين من طاقم الإسطبل الأحمر للأمير فيصل بن خالد بمناسبة فوز الفرس الشقراء " صيحه " في الثمانينات الميلادية أمام منزلنا في حي الملز، سبباً في تجمهرنا حولها، تأملت معه مفاتن تلك الشقراء الساحرة واهتمام من حولها بنا بتقديم الحلوى والمشروبات، كان شيئاً عجيباً أثار دهشتي، وبعدها قادني الفضول إلى المعرفة بأن صخر وسلمان ونفلا و ساهر وذيبان والظافر خيولا عظيمة تسكن بجانبنا

 

بطبيعة الحال لا يفهم من ذلك الاستغناء عن توفير الفعاليات المتنوعة أثناء السباقات وتطويرها وترويجها، ولكن تخصيص جزء من هذه الجهود للمبادرات والأفكار من خلال قنوات متعددة تعتمد على شرح وتوضيح ممارسات وفن التعامل مع هذه الرياضية وتسوقها بلغة فروسية مبسطة ومفهومة، أمراً جديراً بالتفكير والعمل لأجله، وسيسهم في خلق الموقف " المؤثر" لجيل جديد حتماً سيكبر يوما بعد يوم في مساحات واسعة من الفهم والإدراك لإسرار السباقات وتحدياتها. وذلك هو خير وأبقى.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه