2018-12-24 

سوار الدم

ريما الحربي

كان هناك ولد اسمه محمد وعمره سبع سنوات، كان يسكن في حي شعبي، وقد اعتاد على الذهاب للعب مع أصدقائه في الحي المجاور لحّيه، حيث كان هناك الكثير من الأولاد في مثل سنه، وكان لديه صديق واحد يعتبره بمثابة أخيه واسمه أحمد، كان محمد لا يستمتع باللعب إلا معه، وكان مبتسماً دائماً رغم أن بلده يئن تحت وطأة  الحرب، ولكن بسبب براءته لم يكن يعرف ما هي الحرب!!

 

وفي أحد الأيام سمع صوتاً  مخيفاً  لم يعهده من قبل، كان صوت قذيفة آتٍ من ناحية حيّه، فركض مسرعاً باتجاه الدخان، كان كل شيء حوله رمادياً، فقال في نفسه: لابدَّ أنني كنت أحلم !! قرص نفسه مرتين، وتأكد أنه لم يكن يحلم، نظر حوله فوجد جميع الناس يركضون بجنون فأخذ يفكر:" هل أدخل وأختنق أو أذهب مع الناس وأترك عائلتي". ولكنه لم يستسلم واستمر في التقدم، فجأة  سمع صوت والدته وهي تبكي، لم يكن متأكداً إن كان يتخيل أو يحلم!

 

وصل إلى وسط الحي لكنه لم يستطع احتمال كثافة الدخان فاضطر أن يتوقف، فجأة سمع صوت قذيفة أخرى، فزادت دقات قلبه، وشعر أن صوت أمه بدأ يرتفع، فقرر أن يكمل طريقه، لكنه تاه في الطريق وبدأ صوت الرصاص يعلو ويعلو، بدأ يبكي بقوة ويسأل نفسه ما الذي يحدث؟ ما هذا؟ ثم بدأ يصرخ بقوة ويسأل نفسه أين أنا ؟ ولكن صوته كان أضعف من صوت الحرب، بدأ يصرخ: أمي، أبي، ولكن للأسف لم يسمعه أحد، ولم يحس به أحد، جلس على الأرض وهو يبكي ويصيح:أمي، أمي، أمي.

 

بعد قليل مرت عائلته من بعيد، ورأت والدته أن هناك طفلاً ملقى على الأرض، فتوجهت نحوه بسرعة  لترى من هو، وإن كان على قيد الحياة، ولكن فجأة انهمرت القذائف كالمطر، فخافت وركضت هاربة، ذهبت ولم تعرف أنه فلذة كبدها وأنه كان يحتاجها.

بعد ساعتين صار الجو أفضل، بعد أن تبدد الدخان، نظر محمد إلى السماء وقال:" الحمد لله أنه كان مجرد حلم" ولكن عندما نظر حوله ورأى البيوت مهدمة وقد سويت بالأرض، وكل شيء يحيط به صار مغلفاً بلون رمادي عرف أن الأمر حقيقي، فقام وبدأ يمشي، كان يبحث عن بيته ولكنه لم يجده فلم يكن هناك إلا آثار الحطام، أكمل سيره ولم يكن هناك أحد غيره، ماعدا بعض الجثث الملقاة على الأرض بعد أن أصابتها القذائف وغطتها الدماء.

 

أكمل محمد سيره باحثاً عن بيته فرأى سواراً على الأرض، كان يعرف هذا السوار جيداً، فقد كان لا يفارق يد صديقه أحمد  أبدأ لأنه هدية من والدته التي توفيت خلال أحداث الحرب، نظر محمد إلى السوار الذي كان مليئاً بالدماء وشعر بالقلق على صديقه، أخذ السوار وأكمل سيره باضطراب، وبعدما مشى قليلا رأى صديقه مصاباً وملقى على الأرض، كان صديقه يبكي ويئن من الألم، ركض إليه وبدأ يبكي ، قال له صديقه :لا تتركني وحدي أرجوك.

 

حمله محمد وبدأ يمشي، لكنه توقف بعد قليل لأنه شعر بالتعب، مالبث أن تمالك نفسه وأكمل الطريق، فجأة توقفت إحدى السيارات التي ظهرت من بين الغبار المتصاعد، وحملت صديقه  إلى المشفى الوحيد في المدينة، وعندما دخل المشفى كان هناك أناس كثيرون يتأوهون من الألم، كان الصراخ والخوف والذعر يملآن المكان.

 

بعد عدة أسابيع خرجا من المشفى وقررا أن يدخلا إلى الحي لرؤية ما حل بعائلتيهما، لكنهما وجدا الكثير من الجنود يحيطون بالمكان، فقال محمد لقائدهم : أرجوك يا سيدي دعني أدخل لأطمئن على أسرتي في الداخل.

فرد عليه بنبرة حادة: ليس هناك أي أحد في الداخل سوى الجنود.

حاول الولد مع جندي آخر،ولكنه لم يسمح لهما، ثم تذكر محمد طريقاً آخر، لكن للأسف كان هناك جنود ايضاً فقال محمد لأحدهم بنبرة رجاء :" أرجوك يا سيدي دعني أدخل، عائلتي في الداخل وأريد رؤيتهم"

ردَّ الجندي بحزم:" إذا دخلت سوف يقتلونك."

 

أما عائلتيهما فلم تستطيعا إيجادهما بسبب الجنود الذين لم  يسمحوا لهم بالخروج من الحي.

 

التجأ محمد وصديقه إلى الحديقة وصارا ينامان هناك تحت إحدى الأشجار، وفي أحد الأيام وجدا مخبزاً، فعرض محمد على صاحبه العمل عنده مقابل الطعام فقال له : سوف أسمح لك بالعمل عندي، ولكن صديقك مصاب ولا يستطيع العمل .

قبل محمد وترك صديقه في الحديقة وقال له: آسف  ياصديقي لأنني سوف أتركك وحدك هنا،لكننا نحتاج للطعام.

 

ذهب محمد وظلَّ يعمل طوال اليوم، وعندما حل المساء أخذ أجرته على عجل وذهب ليشتري طعاماً له ولصديقه، ظلا على هذه الحال لمدة سنة، وبعد سنة وجد أحمد رجلاً من أقربائه، فقال له الرجل:" يجب أن نخرج من هنا." فركض إلى محمد وطلب منه الذهاب معه، لكن محمداً رفض لأنه كان يأمل بالعودة إلى عائلته مجدداً، ودعه أحمد بالدموع، وأخبره أنه تعب من قسوة الحياة في تلك المدينة، لم يفكر بأهله بقدر ما فكر بصديقه، ذهب و ترك أهله وبلده، ولم ينسَ أن يعطي سواره العزيز لمحمد تعبيراً عن شكره له.

 

بعد أربع سنوات، كان محمد نائماً في المخبز، فحلم بلقاء صديقه وعائلته من جديد. استيقظ صباحاً واعتذر من صاحب المخبز، ثمَّ توجه مسرعاً نحو الأسلاك الشائكة التي تحيط بحيّه، تسلقها وقفز بسرعة من فوقها، فجأة رأى والدته تلوح له من بعيد فازدادت عزيمته، لم يأبه لتحذيرات الجنود الذين طلبوا منه الرجوع، وفي تلك اللحظة سمع محمد صوتاً لا يمكن أن يخطئه أبداً يصرخ بشوق :ابني، محمد ركض إلى حضن والدته وعانقها بشدة، ولكن أيدي الغدر لم تمهلهما طويلاً فقد اخترقت جسديهما عشرات الرصاصات التي جمعتهما وفرقتهما في نفس الوقت، جاء الجنود ورفعوا الجثتين عن الأرض، وظل السوار المغطى بالدماء ملقياً على الأرض، شاهداً على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.  

 

الطالبة ريما الحربي

 الصف العاشر

من طلاب أكاديمية الملك فهد بلندن

 

 

 

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه