2015-10-10 

بايدن وتقسيم العراق

مصطفى زين

متشجعاً بـ «نبوءته»، وبما تحقق على الأرض، عاد جو بايدن ليطرح نظريته في تقسيم العراق. طرحها للمرة الأولى عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير عام 2006، أي بعد ثلاث سنوات على الاحتلال. وكررها غير مرة، معتبراً أنها الدواء الشافي للعراق وللمنطقة. وما تحقق في بلاد الرافدين شجع صاحب المشروع والطبقة الحاكمة، وشجع العشائر، سنية كانت أو شيعية، فدستور بريمر الذي ما زال نافذاً ينص على تشكيل الأقاليم. وبعيداً من النصوص شكلت هذه الطبقة، منذ الاحتلال حتى اليوم، واقعاً تقسيمياً على مستوى المحافظات وفي النفوس، خصوصاً بعد الحروب المذهبية المتكررة، التي ما زلنا نشهد فصولها حتى اليوم. فصول تكررت مع «القاعدة» وأبو مصعب الزرقاوي، و «خليفة داعش» أبو بكر البغدادي، ولا ننسى منظمة «بدر» و «عصائب أهل الحق» و «جيش المهدي»، قبل أن يعود مقتدى الصدر إلى رشده، ويحوله إلى «سرايا سلام» تقاتل «الميليشيات الحقيرة»، على حد تعبيره. وما تحقق أيضاً، أن الأكراد استقلوا في شمال العراق، ويعقدون صفقات من دون العودة إلى الحكومة المركزية، ويرفضون الخروج من «المناطق المتنازع عليها» التي طردوا «داعش» منها. ويضعون شروطاً معقدة للمشاركة في تحرير نينوى. وهم مرتبطون بسياسة تركيا الإقليمية أكثر من ارتباطهم ببغداد، يفاوضونها نيابة عن أكرادها، ويضغطون عليهم لوقف نضالهم، حفاظاً على مصالحهم وعلى الصفقات المشبوهة التي يعقدونها مع أنقرة. في الجنوب، تسعى البصرة إلى تشكيل إقليم شبيه بإقليم كردستان، وتطالب بالإشراف على إنتاجها النفطي، وعلى قواتها الخاصة. ولا يخفى ما لها من علاقات مع إيران تصل إلى حدود الاندماج بسياساتها، برضا الحكومة المركزية أحياناً، ومن دون رضاها أحياناً أخرى. يبقى وسط العراق وغربه، أي المحافظات السنّية. هذه المنطقة احتضنت تنظيم «القاعدة»، ثم طردته بالتعاون مع الأميركيين. وتحتضن «داعش» وتحاربه الآن بالتعاون مع واشنطن والحكومة المركزية و «الحشد الشعبي». لكنها لا تخفي سعيها إلى تشكيل إقليم مستقل، أسوة بإقليم كردستان أيضاً. وهي الآن مركز الصراع بين «الحلفاء» والتنظيم الإرهابي. يتخذ منها رئيس الوزراء حيدر العبادي منطلقاً لإعادة النظر في السياسات السابقة التي أدت إلى عزلها وتهميشها، من خلال استيعاب أبنائها في «الحشد»، طامحاً إلى أن يكون هذا التشكيل العسكري «موحداً» مذهبياً. لكن المحافظات تطالب بأن يكون مسلحوها تحت إشراف الحكومات المحلية، كما تطالب بمزيد من الصلاحيات الأمنية والاقتصادية وبالإشراف على القوات المستحدثة، أي بالاستقلال في إقليم أو اكثر. وهذا مشروع مؤجل إلى حين الانتهاء من المعركة مع الإرهاب المتمركز في أراضيها وله مؤيدوه، وهذه حرب طويلة ستفرز وقائع أخرى في العراق وخارجه. وقائع سيستخدمها الأميركيون والإيرانيون والأتراك في مزيد من التدخل وبسط النفوذ. هذا بعضٌ مما آل إليه العراق خلال سنوات الاحتلال وما بعده، وما يشجع بايدن، ومعه الإدارة الأميركية، على العودة إلى طرح التقسيم مغلفاً بعبارات الديموقراطية والفيديرالية وإعطاء الطوائف والأعراق حريتها في اختيار حكوماتها والإشراف على جيوشها واقتصادها وسياساتها، وحقها في فرض الفيتو على القرارات المركزية. بهذه الروحية سيستقبل بايدن العبادي في واشنطن، بعد أقل من أسبوع، ملوحاً بوقف المساعدة في الحرب على «داعش» إن لم يتخذ هذا التوجه، ويكرس لـ «المكونات» حقوقها في الاستقلال عن بغداد، ومرجعيته الدائمة الفيديرالية ودستور بريمر. أما حجته، فالواقع. وليس أمام العبادي سوى الاختيار بين التقسيم بالقوة وبدعم أميركي صريح أو بالحسنى وبالتعاون مع العشائر، سنّية أو شيعية أو كردية.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه