2015-10-10 

هل يمكن استعادة الأمل؟!

عبد المنعم سعيد

فجأة جرى الإعلان عن وقف العمليات الحربية من جانب قوات التحالف التي وجهت نيرانها الجوية إلى جماعة الحوثيين وحلفائهم في اليمن، مع فرض حصار بحري لمنع الإمدادات العسكرية لهم. توقف القصف الجوي، وبقيت السفن الحربية، وتداولت وسائل الإعلام ما جرت تسميته المبادرة العمانية. المبادرة ألقت الكثير من الضوء على ما يحدث في الساحة السياسية، فقد سبقها قرار مجلس الأمن، وحينما جاءت فإنها حملت مطالب الحكومة الشرعية اليمنية، والمملكة العربية السعودية وحلفائها، ومن ثم آن الأوان لكي تتم ترجمة العمل العسكري سياسيا إلى واقع على الأرض. باختصار كانت السياسة قد أصبحت امتدادا للحرب بوسائل أخرى، وكأن كلاوزوفيتس قد بعث مرة أخرى، في الشرق الأوسط هذه المرة. ولكن مفاجأة القصف الجوي لم تستمر طويلا حتى كانت هناك مفاجأة أخرى، وهي أن الحوثيين استمروا في عملياتهم الحربية، بالهجوم على قاعدة اللواء 35 الموالي للشرعية، ومواصلة الهجمات على عدن وتعز، ومناطق كثيرة. كان هناك نوع من «ضباب الحرب»، فلم يكن ممكنا وقف القصف الجوي ما لم يكن هناك تفاهمات تم التوصل إليها حول تطبيق قرار مجلس الأمن، والمبادرة العمانية التي ترجمته إلى خطوات واضحة، تؤكد أن هدف الحرب لم يكن طمعا في الأراضي اليمنية، ولا هو زيادة النفوذ لقوة إقليمية بدلا من قوة إقليمية أخرى، ولا هزيمة الشيعة من قبل السنة.. كان الأمر ببساطة هو استعادة الشرعية، وتأهيل اليمن لمرحلة انتقالية يحكم فيها نفسه دون إجبار من قبل جماعة مسلحة هي الحوثيون، لا أكثر ولا أقل. وكمقدمة، تقدمت السعودية بعرض سخي لعمليات الإغاثة، يتعامل مع نتائج العمليات العسكرية، ويرفع الضنك عن الشعب اليمني. تفسير المفاجأة الثانية صعب ساعة كتابة هذا المقال، لأن النتيجة الطبيعية لها كانت استئناف العمليات العسكرية مرة أخرى واستمرار القصف الجوي. هنا فإننا نكون أمام واحد من احتمالين: أولهما أن قرار مجلس الأمن، والمبادرة العمانية لم يضعا آلية لوقف إطلاق النار، والإشراف عليه، وهو أمر منتظر من جانب مجلس الأمن، وقد يترتب عليه وجود مراقبين دوليين يشرفون على وقف إطلاق النار، وعودة قوات الحوثيين إلى مواقعها السابقة على غزو صنعاء، وتسليم السلاح الذي تم الاستيلاء عليه من خزائن الجيش اليمني. الحالة هنا طبيعية حيث يحاول الطرف الواقع على الأرض أن يحسن من مواقفه التفاوضية، حتى وهو يعلم أن المكاسب التي سوف يحققها سيتم التراجع عنها، ولكنها على الأقل يمكنها أن تسجل نقطة دعائية تقول إن الانسحاب يجري من موقف القوة، وليس الضعف أو الهزيمة. الاحتمال الثاني أن الحوثيين لا يزالون على مشروعهم التوسعي الساعي إلى الهيمنة، وإعطاء الحليفة إيران موقع قدم على الحدود البرية السعودية، ومضيق باب المندب، ومن ثم فإن الدبلوماسية والسياسة بالنسبة لهم ليست إلا مناورة لكسب الوقت الذي من خلاله يمكن فرض حقائق على الأرض لا ينوون الانسحاب منها. وفي خلال حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 سافر وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر إلى إسرائيل يوم 22 أكتوبر لإقناع إسرائيل بوقف إطلاق النار. في ذلك الوقت لم تكن إسرائيل حاصرت الجيش الثالث، ولا مدينة السويس، ولذلك ضغطت على كيسنجر لكي يؤجل توقيت وقف القتال حتى تتمكن إسرائيل من تنفيذ خططها العسكرية في توسيع «الثغرة» التي كانت بدأتها. كان ريتشارد نيكسون، الرئيس الأميركي، في ذلك الوقت مصرا على أن تنفذ إسرائيل، ومصر أيضا، قرار مجلس الأمن بوقف القتال في الساعة السادسة من مساء 22 أكتوبر 1973، فما كان من كيسنجر إلا أن قال للإسرائيليين إن وقف إطلاق النار في حرب فيتنام لم يتم أبدا في موعده، في إشارة إلى أن إسرائيل يمكنها أن تفعل ذات الشيء، وهو ما جرى بالفعل حتى قامت الأزمة النووية العظمى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي التي أوقفت القتال بالفعل بعد أن وقف العالم على حافة الهاوية. هل شيء من هذا جرى في اليمن، ربما، ولكن النتيجة التي نراها كانت استمرار الحرب بعد أن حققت السعودية والتحالف المصاحب لها عددا من المكاسب: الأول أن الأمر لم يتغير جوهريا، فقد تم استئناف القصف الجوي مرة أخرى ومن ثم فإن الحرب الجوية مستمرة، والحصار البحري لا يزال جاريا، والعمليات البرية إذا كانت لها ضرورة فسوف تحدث في توقيتها المحدد. والثاني أن العالم كله بات واضحا لديه أن التحالف السعودي لا يريد الحرب في حد ذاتها، وإنما يريد وقف العدوان، ومنع الحوثيين، ومن ورائهم الإيرانيين، من الحصول على مزايا سياسية أو استراتيجية. والثالث، أن جبهة التحالف الحوثي أصبحت تعاني من الانقسام بعد أن أعلنت ألوية عسكرية في الجيش اليمني عن ولائها للشرعية، وخرجت قبائل وجماعات يمنية من المظلة الحوثية طالما كان هناك بديل دولي وإقليمي جاهز لإنقاذ اليمن. الثابت من المفاجأتين الأولى والثانية أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك الكثير الذي يجري في كواليس السياسة والدبلوماسية، بعضها معلن وأكثرها خفي. وبعضها يكون لمجرد الوجود على الساحة كما أوحت الجزائر بمبادرة خاصة بها، وبعضها الآخر هو جزء من الحرب الإقليمية التي تشنها إيران على العواصم العربية، ومن ثم كانت هناك مبادرة من طهران تعلم تماما استحالة قبولها من الأطراف الأساسية، ومع ذلك فقد طرحتها على أي حال لأنه لا يوجد لديها بدائل عسكرية ذات بال. ومع ذلك فإن ما يهمنا الآن هو أن تبقى العيون مفتوحة، والعقول منتبهة، على تحقيق الأهداف الرئيسية للقتال التي جرى وضعها منذ بدء تنفيذ «عاصفة الحزم»، وسوف يساعد مشروع الإغاثة السعودي على إضافة البعد الإنساني لحرب يصعب أن يكون فيها بعدا إنسانيا. ولكن الاتجاه الذي تشير إليه الإغاثة هو تقوية عزم المجتمع اليمني على مواجهة العدوان، وهو ما يحدث من خلال تحقيق الالتفاف حول الشرعية اليمنية الضرورية للداخل اليمني، وللخارج أيضا. الطريق إلى ذلك يكون عن طريقين: أولا تشجيع التوافق اليمني على خريطة طريق للمستقبل لها علاقة بالدستور والانتخابات التشريعية والبرلمانية، والأهم ثانيا تحقيق ما تم الاتفاق عليه في الحوار اليمني في ما يتعلق بالنظام الفيدرالي، فيكون مساعدا على الوحدة، وليس مقدمة للانفصال والتفتيت. مثل ذلك يحتاج ثالثا لبناء قدرات وطاقة يمنية قادرة على التعامل مع واقع اقتصادي وأمني صعب، ولا يقل في صعوبته عن الحالة السياسية التي سالت فيها دماء كثيرة. باختصار فإن اليمن يحتاج إلى دعم يكفي لبناء مناعته وقدرته على التعامل مع مستقبل فيه الكثير من الأشواك. * نقلا عن "الشرق الأوسط"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه