2015-10-10 

النظام السوري يحاول أن يلغي ذاكرته تحسبا للانهيار

من القاهرة، مختار أبو مسلم

ما يفعله النظام السوري بشعبه ليس غريبا إذا ما قورن بما يفعله بأركان نظامه حين تحين لحظتهم، سواء بانتهاء دورهم أو إذا فكروا في الانقلاب. ورغم أن الحية لا تلدغ نفسها، إلا أن النظام السوري يفعل ذلك، وبالطريقة ذاتها منذ ستينيات القرن الماضي. ليس بشار سوى ابنًا ورث تركة أبيه حافظ الأسد، يديرها كما فعل ويقصي عنها من يرى فيه خطورة حتى إذا كان يرتبط به بعلاقة دم أو نسب. قصة البداية تبدأ من رئيس البرلمان الأسبق عبد القادر قدورة، وبرغم انحيازه للأسد الأب والأبن، فإن ذلك لم يشفع له، ولم يجدد لولايته كرئيس لمجلس الشعب، وتم التخلص منه، ولكن ليس بالطريقة التي تم التخلص بها من اللواء غازي كنعان. وبينما كان هناك تياران متصارعان، وهما تيار يمثله عبد الحليم خدام ويضم عبد الله الأحمر وحكمت الشهابي وعز الدين ناصر وأحمد قبلان (أي تيار حافظ الأسد).. أما التيار المقابل فكان يضم (الأخ) رفعت الأسد وزهير مشارقة وتوفيق صالحة وسعيد حمادي وآخرون". وكان قدورة مع حافظ الأسد، "حافظ الأسد وبس" كما قال في حوار اجري معه في 2007. وهو الذي قاد تعديل شرط السن وتخفيضه إلى عمر الأسد آنذاك والذي أتاح للرئيس السوري بشار الأسد تسلم السلطة خلفاً لوالده عام 2000، وهاجم أحد النواب البعثيين (منذر الموصللي) حينما طالب بإخراج شكلي للتعديل (عبر مناقشته قليلاً في المجلس قبل إقراره)، وقد بادر قدورة إلى وصفه، وبعد اعتذار (الموصللي) عن المطالبة بهذا الأمر، بأنه "نائب سولت له نفسه الأمارة بالسوء". أما غازي كنعان الذي نسج حول انتحاره أو مقتله في اكتوبر 2005 العديد من السيناريوهات، ربما تشبه إلى حد بعيد طريقة العقيد عبدالكريم الجندي الذي أنهى، كما قيل، برصاصة في الرأس مساء الاول من آذار 1969 حياته في حمأة صراع على السلطة بين حافظ الاسد وصلاح جديد، في حزب البعث وفي الدولة. كان عبد الكريم الجندي آنذاك يشغل ثلاثة مناصب لم يسبقه اليها احد في الاستخبارات السورية، عضواً في القيادة القطرية للحزب ومدير مكتب الامن القومي ومدير المخابرات العامة. انتحر بعد مكالمة هاتفية مع رئيس شعبة المخابرات العسكرية علي ظاظا اثر خلاف حاد بينه وبين الاسد في مؤتمر الحزب في يعفور آخر شباط. كما روى الكاتب المعارض نقولا ناصيف. فهل تخلص منه النظام برغم زواج نجله من ابنة جميل عم الرئيس بشار الاسد، فضلا عن امساكه الملف اللبناني بالملفات الأكثر تعقيداً كملف الامن الداخلي السوري والملف التركي والملف الكردي في شمال البلاد، وكان قائد الحملة على عصيان القامشلي، كما نجح في حمل "الاخوان المسلمين" في حمص على تسليم اسلحتهم سنة 1980. تقول الرواية الرسمية أن الجنرال الذي كان يتولى وزارة الداخلية حتى تاريخ انتحاره / مقتله أنه قتل نفسه برصاصة اطلقها على رأسه من فمه، بعد اتهامات له بأنه كان من المتورطين في اغتيال الزعيم اللبناني السني رفيق الحريري، فانتحر بعد تصريح بشار الأسد بأن من شاركوا في هذه العملية سيتم ملاحقتهم، أو لشعورهم بالإهانة كما قال في مداخلة هاتفية لإذاعة لبنانية قبل واقعة انتحاره المزعومة بساعات. أما عن الرواية التي نسجها محللون ومعارضون هي أن آصف شوكت بنفسه دبر حادث قتل رجل النظام الذي قيل أنه دبر إنقلابا على الأسد الصغير بتنسيق مع شخصيات معارضة والولايات المتحدة، وتدور هذه الرواية حول افتراضين إما أن أملي على الرجل خطبة وداعه الإعلامية ومن ثم اجبر على الانتحار، أو إما قتله وتدبير الحادث على أنها حالة انتحار. المفارقة تصل إلى ذروتها عندما نصل إلى مقتل آصف شوكت نائب وزير الدفاع السوري السابق ضمن شخصيات أمنية أخرى في حادث بدى حينها عملية نوعية كبيرة قامت بها قوات مسلحة معارضة في يوليو 2012، لكننا لم نصل إلى هذه النقطة الآن. دعنا نعود إلى خلفية اللواء آصف شوكت أولا قبل تحليل ما جرى بالضبط فيما عرف بعملية خلية الأزمة. هو نائب وزير الدفاع السوري السابق. ولد في قرية المدحلة في محافظة طرطوس لعائلة علوية وتطوع في السلك العسكري ودخل الكلية الحربية ليتخرج منها ضابط اختصاص مشاة، شارك في حرب تشرين 1973 ودرس التاريخ في جامعة دمشق. في عام 1995 تزوج من بشرى الأسد ابنة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وشقيقة الرئيس السوري بشار الأسد، عين عام 2005 مديراً للاستخبارات العسكرية التي تعد أقوى الأجهزة الأمنية في سوريا. رفع إلى رتبة عماد في تموز/يوليو 2009 وأصبح نائبًا لرئيس الأركان، وفي آب/أغسطس 2011 تم تعيينه نائبا لوزير الدفاع. كما هو الحال لم يحمي آصف شوكت علاقة النسب، إذ كما رأينا أن علاقات الدم والنسب لا تعني شيء إذا ما قورنت بالمصالح السياسية والسلطة. يقول لواء قد أنشق عن النظام قبل نحو اسبوعين من التفجير الذي استهدف اجتماعا لقيادات أمنية وبعثية وتبنته جماعة معارضة مسلحة، إن العملية دبرها النظام. فقد نشرت وول ستريت جورنال بعد عام من الحادث معلومات وشهادات لدى ان عملية "خلية الأزمة" الذي قتل فيها أصف شوكت زوج بشرى الأسد كانت عملية مدبرة من داخل النظام. الأسباب هي انفراد الصقور من النظام السوري بادارة الحرب، وابعاد من كان مع فكرة التفاوض، وترى الصحيفة ان الحرب السورية اشتدت بعد عملية "خلية الأزمة. وأجرت الصحيفة مقابلة مع مناف طلاس، الذي اخبرها انه غادر سوريا بعد عثور حراستة على ست قنابل امام مكتبه، غادر بعد ذلك سوريا واتهم النظام بمحاولة اغتياله، بعد أسبوعين من مغادرته تمت عملية "خلية الأزمة" ويذكر ان طلاس كان مع التفاوض أيضاً. نقطة اخرى تذكرها الصحيفة ان بعد عملية "خلية الازمة" باسابيع قليلة بدأ تدفق المليشيات الشيعية المساندة للنظام، وزاد نفوذ ايران وحزب الله واصبح تدخلهم مباشر. ربما كان هناك حظا افضل لحلفاء آخرين كالعقيد حافظ مخلوف الذي غادر سوريا في هدوء إلى لبنان في سبتمبر 2014، بعد قرار تنحيته من منصبه، "بناء على طلبه"، كما تردّد الأوساط السوريّة الرسميّة. فبحسب ميديل ايست مونيتور فإن مخلوف ليس مجرد نسيب عادي للرئيس السوريّ. فالمسألة أكثر تعقيداً وتأثيراً.فهو يشكّل مع عائلة مخلوف الواسعة النفوذ علويّاً وسوريّاً، إحدى أكثر الحلقات صلابة وقوّة حول الرئيس كما حول النظام. وهو شقيق رامي مخلوف، رجل الأعمال السوريّ الشهير والنافذ، والذي كانت لوائح العقوبات الغربيّة قد لاحقته منذ بداية الأزمة في سوريا، قبل أن يتردّد أنّه تخلّى عن معظم أعماله لصالح الدولة والشعب السوريّين. وكان حافظ ورامي يرمزان إلى حلقة العائلة الأقرب إلى الرئيس، إلى جانب شقيقه ماهر وصهره الراحل آصف شوكت لكن الحالة الأكثر تعاسة هي حالة ضرب اللواء رستم غزالة إلى درجة أدت إلى موته سريريا بحسب بعض المصادر الإعلامية. وكان قد كشف رئيس الحكومة الأسبق، سعد الحريري، عن اتصال رستم غزالي قبل مقتله بشخص يعرفه الحريري. وقال إنه "أراد أن يظهر على التلفزيون ويعلن عن أمر ما لا نعرف ما هو، وبعد ذلك مباشرة تم ضربه. وقال الحريري لقناة العربية "يوم واحد قبل ذلك اتصل غزالي بشخص أعرفه وأعطيناه رقم تلفزيون المستقبل، فقد أراد أن يطل عبره وأن يقول شيئا، ولكن الفرصة لم تتح له، كما حصل مع غازي كنعان الذي انتحر بخمس رصاصات". من ناحية أخرى، وفيما يتعلق باغتيال رستم غزالي، فإن هناك إشاعات تقول إن انقساما داخل قوى النظام، منها من لا يريد استمرار تدخل الحرس الثوري الإيراني في الداخل، والبعض الأخر يدعم ذلك، والكلام للحريري. وتابع "كنا قد رأينا قتل آخرين كجامع جامع وغيره في سوريا، وهذ يعد تراجعا للنظام يمكن رؤيته على الأرض".

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه