2015-10-10 

لماذا محمد بن سلمان؟

محمد المزيني

القرارات الملكية الأخيرة، التي تعد نقلة نوعية وجريئة غير مسبوقة في السياسة السعودية، بتعيين الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد والأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد. اختلافها كان لافتاً بما يكفي لإثارة الاستغراب المتبوع بالأسئلة. المواطن اكتفى بمحاولة تفكيك أبعاد هذا القرار وفهم محتواه السياسي، ومع هذا استسلم لإرادة خادم الحرمين الشريفين المشمولة بنظام الحكم المؤسس وفق قواعد شرعية، يأتي على رأسها الامتثال للبيعة المعلقة بالرقاب على السمع والطاعة، وعلى المستوى الأعلى، فثمة تحفظات مدفوعة بردود أفعال سريعة لم تقرأ مضامين هذا التغيير جيداً، لم تبرح حتى استعادت وعيها، مدركةً معنى هذه القرارات، إذ وضعتها في إطارها الصحيح، ولاسيما أنها صادرة عن رجل الحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الذي وضع للمملكة اعتباراً كبيراً ومقاماً عالياً في قراره التاريخي بتبني انطلاقة «عاصفة الحزم» للحيلولة دون التجاوزات الإيرانية وتمددها في الشرق الوسط، لننتقل ما بين ليلة وضحاها من حال المتريث المتفرج على مآلات الأحداث إلى المبادر، لذلك فإن أي قراءة لفحوى قرارات التعيينات الأخيرة لا يمكن أن تتم بمعزل عن شخصية مصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي منذ تسلمه السلطة، وهو يعمل على فتح الفضاء الإداري أمام الشباب، وتمكينهم من إدارة دفة هذا الوطن الفتي، بينما العالم الذي دخل الألفية الثالثة بصخب انتقلت نيرانها الحارقة قريباً من ديارنا. فما دمنا قد بايعنا على السمع والطاعة وأسلمنا قيادتنا -بعد الله- لإدارة خادم الحرمين الشريفين؛ فإننا راضون تماماً، مستسلمون لحكمة اختياراته، وما دام لا يمكننا أن ننظر إلى هذا العالم المتغير إلا من خلال سياسة واعية ومدركة، فإنه لن يتسرب فينا الشك قيد أنملة بأن اختيار ولي ولي العهد محمد بن سلمان التي تفتقت عليه الأعين المشدوهة، ساعة أُعلن تعيينه، هو اختيار صائب؛ لأنه لا يمكن أن يمر إلا من معين هذه الثقة التي منحناها لمليكنا التي امتلأت صفحات التاريخ السعودي بمآثره وإنجازاته، وشهد له القاصي والداني بحكمته ونفاذ بصيرته، ولن يعنينا كثيراً نحن المواطنين ما يحاول أعداء الوطن إيقاعه به من أولئك الموتورين والمتربصين به، المصطادين في المياه العكرة مع أنه ليس ثمة إلا مياه صافية نقية، ينتح منها المواطنون بلا ريب. كل هذا سيسقط رايات المتحينين للفرص السانحة للتغلغل بين تفاصيلنا الدقيقة لإحداث شقوق كبيرة يتوهمون أنها ستفت من عضده، وتسقط بواباته الأمنية الحامية له بعد الله، تلك التي شيدت ترسانتها المتينة من حاكمية ذات مضامين شرعية وقيادة تعي تماماً ماذا يعني الوطن للمواطن وشعب يصادق قيادته على ما عاهد الله عليه، وحدود حُصنت من شياطين كل القوى المتصارعة من المتآمرين الدواعش لقطاء حزب الله وأذنابهم. ومع كل هذا أقول -ليس تبريراً أو نفاقاً- إن الأمير الشاب محمد بن سلمان قد عين في عمر يناهز الرشاد، وقد قطع أعواماً ليست بالقصيرة تقلب فيها في كنف والده الملك سلمان، الذي أولى له عنايته الخاصة؛ لتعليمه قيم الدين وقيم الحياة وقيم السياسة، وهي فترة كافية لتلقي كل هذه المعارف، وهو ما يمكن معها إسناد أي أمر إليه مهما بلغت دقته وتناهت عظمته، فثمة قادة تركوا مآثرهم التاريخية في ريعان الشباب، منهم محمد الفاتح الذي تولى السلطة في العشرينات من عمره، وانطلق في فتوحاته المعروفة حتى لقبه الغرب بنبي الإسلام. لن نبتعد كثيراً فهذا جده الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي انطلق في استعادة ملك آبائه ومن ثم توحيد أطراف الجزيرة العربية تحت لواء المملكة العربية السعودية وهو في الـ17 من عمره، ومع هذا فإن محمد بن سلمان الذي دشن مهامه وزير دفاع بـ«عاصفة الحزم» أمامه أعوام طويلة، ومستقبل عريض -بحول الله- قبل أن يصل إلى سدة الحكم سيقضيها متقلباً بين تجربتين فذتين وعميقتين -أطال الله في عمرهما-، تجربة والده الملك سلمان، والتي مهما تحدثنا عنها فلن نبلغ مداها، وتجربة ولي العهد الأمير محمد بن نايف الذي كاد يدفع بحياته فداء لوطنه في عمليات محاربته للإرهاب التي لم يهدأ أوارها، ولم تسترخِ الأبدان من أجل كبح جماحه حتى اليوم، هذا عدا ما سيتعرف عليه ويضيفه إلى خبراته من كم كبير من المستشارين العارفين ببواطن الأمور ودهاليز السياسة وبواطنها. أبعدَ كل هذا ينتابنا شك في قدرة ولي ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان على تقديم ما هو أمثل لوطنه؟! لا يساوي شجاعة خادم الحرمين الملك سلمان في دخوله بـ«عاصفة الحزم» إلا دخوله العصر السعودي الجديد بالأحفاد الشباب بكل حزم، وإن كنا نشك -وحاشانا- فنحن نشك بدرجة أولى بقائد مسيرة النهضة الحديثة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ونشك بوطننا الفتي ونشك بمواطنيه ذوي الغالبية الشبابية، وهو ما يعني أننا نزيل وجودنا عن خريطة الشعوب المتحضرة. * نقلا عن "الحياة"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه