2015-10-10 

سعود الفيصل... غياب بنكهة الحضور!

من الرياض، فهد معتوق

يترجل مهندس الدبلوماسية السعودية عن جواده اخيرا في لحظة صعبة تمر على المملكة والمنطقة، هذه لحظة لطالما انتظرها الفارس الذي ظل يحارب 4 عقود متواصلة، حتى عندما سائت حالته الصحية، وكرر طلبه بإعفاءه من منصبه دون جدوى. في النهاية اضطر الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى قبول طلب رجل المملكة، لكنه لم يمنحه استراحة محارب فعينه المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين المشرف على الشؤون الخارجية. لم يكن ابتعاد الفيصل عن المشهد الكبير صعبا على اخوانه في المملكة ولا حتى في المنطقة بل كان صعبا على الخصوم أيضا الذين يرون في حكمته صمام أمان لمارد سيكون ايقاظه امرا مرعبا في منطقة مشتعلة. تعود بنا الذاكرة إلى ما قاله وزير الخارجية القطري خالد العطية، في تغريدة له على حسابه الرسمي بموقع "تويتر": "أخي سمو الأمير سعود الفيصل، عندما تغضب تربك العالم فشكرا لك فهذي هي المملكة العربية السعودية." كان هذا عندما رفضت المملكة مقعدا بمجلس الأمن. وعندما أعفي من منصبه بناءا على طلبه قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن وزير الخارجية السعودي السابق "لم يكن الأمير سعود فقط أقدم وزير خارجية في الكون ولكن أيضاً من بين هؤلاء الأكثر حكمة. كان يعمل مع 12 من أسلافي من وزراء الخارجية في الولايات المتحدة ، وكان محل إعجاب الجميع". وتابع الوزير كيري في بيانه: "لقد عرفت وزير الخارجية الجبير لفترة طويلة - في الواقع، التقينا عندما كان دبلوماسيا شابا، خصص لمرافقتي في جميع أنحاء الرياض في سنة 1980، توصلنا إلى معرفة بعضنا البعض بشكل أفضل بكثير منذ ذلك الحين، وخاصة أثناء خدمته المثالية سفيراً للمملكة في واشنطن. ويضيف:"دبلوماسي ماهر ومحاور يحظى بثقة كثير من المسؤولين الأميركيين، ترقيته تؤكد على الروابط القوية والتاريخية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في وقت عصيب". واليوم خصص الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتية مقالة تصدرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية بعنوان "رجل الهمة" جاء فيها أن "من لا يعرفه سيقول: وزير مُحنّك، وسياسيٌّ فذٌّ. ومن يعرفه سيقول، إلى جانب ذلك: مُعلِّمٌ، ومثقفٌ من طراز نادر" وأضاف وزير الخارجية إن الفيصل شخصية من تلك الشخصيات النادرة التي صفّحت كتب التاريخ الإسلامي والعربي، والتي لا يملك المرء إلا أن يتوقف عند دهائها، وشاعريتها، ولطافة قولها وحزْم فِعْلها. وقال الوزير إنه عندما قرأ خبر تنحيه عن منصبه كوزير للخارجية، قال لزملائه إن مَن وصف الأمير سعود الفيصل بأنه كيسنجر السياسة العربية قد ظلمه، فهو سعود السياسة العربية، وسعود السياسة الدولية. وأشار بن زايد إلى أبرز إنجازات الأمير الكثيرة سعيُه لجمع الفُرقاء في لبنان حول طاولة واحدة، الأمر الذي كُلل باتفاق الطائف في العام 1989. وقال معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين أيضا أن الأمير سعود الفيصل استطاع أن يعكس توجيهات خادم الحرمين الشريفين في كل مرحلة عاصرناها في المملكة العربية السعودية في ايضاح الصورة والتي يتقبلها الجانب الاخر. وأشارة إلى دوره في أزمة البحرين إذ قال " في العام 2011 حيث مر وطني " مملكة البحرين " بمؤامرة ضدها , وجال سموه العالم , واوضح الصورة للكثيرين خلال اجتماعات سموه معهم لإيضاح الصورة الصحيحة" أما على مستوى جامعة الدول العربية قال السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة الأسبق أن الفيصل أضاف الكثير إلى الدبلوماسية العربية والسعودية، فقد كان وجوده على الدوام يمثل صوت عقل ورصانة، إضافة إلى صفاته الشخصية والإنسانية الأخرى. وأثنى موسى على الفيصل، وهو يقرر مغادرة الساحة السياسية، وقال إننا جميعا سنفتقده، سواء من هم في السلطة أو الحياة العامة، فهو رجل فاضل بكل ما تعنيه الكلمة، ولو كان لدينا مثله ألف عربي لكنا اليوم في وضع أفضل كثيرا. وأضاف موسى أنه يتمنى أن يكون الفيصل متاحا دوما بآرائه وخبرته واتصالاته لتحقيق المصالح العربية، فهو مدرسة الدبلوماسية العاقلة والآراء الرصينة القوية، وكان قويا حين يحتاج الموقف إلى قوة، وكان إنسانا حين يحتاج الموقف إلى إنسان، وكان دبلوماسيا حين يحتاج الموقف إلى دبلوماسي، وكان خبيرا إذا احتاج الأمر إلى رأي خبير. وأشاد موسى بموقف الفيصل الخاص بالقضية الفلسطينية وقضية القدس وعمله الدائم من أجل مصلحة العربية المشتركة، مشيدا بتميزه في قيادة العمل العربي المشترك في أكثر من مجال. أما عن الملك سلمان فقد أرسل لأخية برقية عبر فيها عن ثقل الإجابة على طلبه بإعفاءه من منصبه لظروفكه الصحية، وأشاد فيها بدوره الذي امتد لمدى أربعين عاماً متنقلاً بين عواصم العالم ومدنه شارحاً سياسة وطنه وحاملا للوائها. وأضاف خادم الحرمين في برقيته "ويعلم الله أن تحقيق طلب سموكم من أصعب الأمور علينا وأثقلها على أنفسنا , إلا أننا نقدر عالياً ظرفكم , ونثمن كثيراً مشاعركم , وإننا وإن استجبنا لرغبة سموكم وإلحاحكم غير مرة فإنكم ستكونون -إن شاء الله - قريبين منا ومن العمل الذي أحببتموه وأحبكم وأخلصتم فيه وبذلتم فيه جهدكم بلا كلل ولا مل" ولم يتأخر الأمير سعود الفيصل في الرد ببرقية جوابية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قال فيها "سوف أظل الخادم الأمين". وأكد على أن "ما تضمنته برقية الملك له من كلمات تعبر عن كرم نفسه وأصالة معدنه، أكثر مما يستحقها شخصي المتواضع، وأكبر من جهد المقل الذي صاحب عملي وزيرا للخارجية".

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه