2015-10-10 

أولويات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية

عبد الله ربيعان

وافق مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يوم الإثنين الماضي على التنظيم الخاص بأجهزة مجلس الوزراء الجديدة، وهما مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، اللذين أمر الملك سلمان قبل أسبوعين بإيجادهما وإحلالهما مكان عدد من المجالس واللجان الملغية. ووفقاً لقرار مجلس الوزراء، تكون مهمات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية «تحديد التوجهات والرؤى والأهداف ذات الصلة بالشؤون الاقتصادية والتنمية، ومراجعة الاستراتيجيات والخطط الاقتصادية والتنموية اللازمة لذلك، ومتابعة تنفيذها والتنسيق بينها». كما سيكون للمجلس سكرتارية تابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء، تضم عدداً من المستشارين والمتخصصين، وينشأ له مكتب لإدارة المشاريع مقره الأمانة العامة لمجلس الوزراء، «ومهمته التحقق من التزام الجهات المعنية بتنفيذ الاستراتيجيات والخطط والأوامر والقرارات والأهداف ذات الصلة باختصاصات المجلس، ومتابعة المشاريع التي تباشر تلك الجهات تنفيذها». من السطور السابقة، يتضح أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية سيكون بمثابة إدارة شاملة للاقتصاد الكلي، إذ ستكون مهمته سابقة برسم السياسات والأهداف الاقتصادية العامة، ومتزامنة خلال فترة تنفيذها بالتشارك مع أجهزة الحكومة الأخرى، ولاحقة بالتأكد ومراقبة تنفيذ الخطط والمشاريع من تلك الجهات. والمنتظر بالتأكيد من المجلس أن يعيد بث النشاط والحيوية في عروق الأجهزة الحكومية، فالملاحظ خلال الأعوام الماضية أن هناك خمولاً كبيراً في أداء كثير من الأجهزة، وبغياب المحاسبة والمراقبة نتج تراخ في سلوكها ونتاجها وكفاءة عملها، وهو ما جعل الملك عبدالله رحمه الله، يستعين دائماً بأرامكو لتنفيذ مشاريع التنمية الكبيرة، لعلمه أنها لن تنفذ عن طريق أجهزة الحكومة بالجودة والتوقيت المطلوبين. ومما يراد من المجلس أيضاً أن ينسق السياسات والأعمال التي يشترك في تنفيذها أكثر من جهاز حكومي، فالملاحظ أن التنسيق لإنجاز الأعمال التي يشترك فيها أكثر من جهة غائب تماماً، بل لا نجاوز الحقيقة إن قلنا إن الأجهزة الحكومية أصبحت «كانتونات» معزولة عن بعضها، كل يعمل بحسب ما يراه ويعتقده هو، لدرجة أن تجد أن بعض القرارات لجهاز معين تتعارض وتتضارب كلياً مع قرارات وإجراءات جهاز آخر، وعلى المجلس تنسيق السياسات والتغلب على التضارب والازدواجية والتداخل بين عمل جهاز وآخر. مطلوب أيضاً من المجلس الجديد، التركيز على أولويات التنمية، وإعادة رسم الخريطة التنموية بطول البلاد وعرضها، فالأرقام تقول إن 65.6 في المئة من سكان المملكة يعيشون في ثلاث مناطق فقط، هي «الرياض» و«مكة المكرمة» و«الشرقية»، ولا يحتاج الأمر كثير شرح لمعرفة لماذا يعيش ثلثا السكان في ثلاث مناطق فقط، بينما يتوزع الثلث الباقي على عشر مناطق؟ فتوزيع التنمية يحتاج إعادة نظر بالنسبة والتناسب بين المناطق الـ13، وألا تستأثر منطقة بمشاريع ومؤسسات ولا تتحصل الأخرى على نصيبها من التنمية. ومن المهم تركيز المجلس على استقطاب ودعم المشاريع التي تخلق فرص العمل في الاقتصاد السعودي، فالبحث الديموغرافي لمصلحة الإحصاءات يقول إن 64.7 في المئة من سكان المملكة هم من الفئة العمرية بين 15 و64 عاماً، أي من هم في سن العمل، ومع ارتفاع حجم البطالة، ووصول عدد الوافدين لـ10 ملايين عامل بحسب تصريح وزير العمل أخيراً، فإن التوظيف والتوطين وخلق فرص العمل يجب أن تكون أولوية لمجلس الاقتصاد الجديد. من المؤكد أيضاً أن تسريع أو استئناف عملية التخصيص هي إحدى أهم متطلبات الاقتصاد حالياً، وعلى رغم صدور قرار مجلس الوزراء في نهاية 2002 القاضي بتخصيص 20 قطاعاً، إلا أن فترة الطفرة التي بدأت في 2003 أوقفت المضي قدماً في تخصيص هذه الأنشطة، ومع انخفاض أسعار النفط، وكبر متطلبات الصرف على الجهاز الحكومي، فلا بد من عودة برامج تخصيص القطاعات المعلنة سابقاً، ومعها غيرها بأسرع وأقرب وقت، فالتخصيص خيار للتطوير لا بد من إنجازه. وأخيراً، فإن تنويع مصادر الإنتاج أهم وأعتى التحديات المطلوب من الحكومة كلها أن تقلق بشأنه وتعمل عليه، فعلى رغم حديث التنويع الطويل، إلا أن النتائج لا تدعم ما يقال وما توصي به الدراسات، فما زالت صادرات النفط تمثل 87 في المئة من دخل الحكومة، فيما تمثل الصادرات غير النفطية النسبة المتبقية، ولو دققنا النظر في الأخيرة لوجدنا أن البتروكيماويات (المرتبطة بالنفط) تشكل ما يزيد على 60 في المئة منها، والنتيجة المشاهدة أنه مع انخفاض النفط، أعلنت مصلحة الإحصاءات العامة قبل أربعة أيام انخفاض عائد الصادرات غير النفطية بنسبة 17.16 في المئة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وهو أمر متوقع لارتباط أسعار البتروكيماويات بالنفط صعوداً وهبوطاً، وهو ما يعني أن تنويع مصادر الإنتاج ما زال رقماً آحادياً صغيراً لا يمكن الاعتماد عليه في ظل تقلبات أسعار الطاقة. خلاصة الحديث، أن الاقتصاد والتنمية في السعودية يحتاجان إلى تشريح وتمحيص وإعادة توزيع على الخريطة، وتقديم الأهم على المهم، والأولى في هذه المرحلة هو منع التعثر في المشاريع، وتفعيل مبدأ المراقبة والمحاسبة، واختيار الكفاءات القادرة على إدارة مفاصل الاقتصاد بمرونة وحيوية، فالمستقبل مشرق، ولكنه يحتاج إلى تخطيط وعمل وحساب ليتحقق بمشيئة الله. *من جريدة الحياة اللندنية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه