2015-10-10 

رسالة ثانية إلى متطرفي الشيعة

محمد المزيني

< خمسة أعوام مضت، تعد هي الأسوأ في تاريخ أمتنا العربية، إذ تداعت الأحداث في العالم العربي بدفع طائفي بشكل خطير، حتى بات الأمر خارجاً عن السيطرة وبعيداً عن المعقول، وكأن ثمة من رتب لأحجار «الدومينو»؛ لتسقط الواحدة تلو الأخرى، من بينها دول كنا نخالها صامدة وقوية بقوة الأنظمة الحارسة لها أو الباطشة بشعوبها. لقد أسفرت الأعوام الخمسة عن حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، وهي: أنه متى بدأ خدش الحس الطائفي فيها من لدن أطراف خارجية فستكون الدولة -أيَّ دولة- عرضة للفوضى. نحن في المملكة أحد أهم هذه الأهداف للمطامع الإيرانية، التي لا يمكن أن ترانا إلا عائقاً أمام توسعاتها وأطماعها السياسة، كما لا يمكن أن تنظر إلينا إلا بعين الغُنْم الذي يمكن أن تتحصل عليه من خلال عملائها. ثمة من يهوِّن هذا الخطر بادعاء تثاقفي، من خلال تمرير رؤى ليست إلا خداعاً للعقل وللرؤية، ومجافاة لعين الحكمة والصواب؛ لأن ما حدث في الآونة الخيرة من تحركات طائفية ممنهج لخدمة الأهداف الخارجية، سواءً أجاءت من متطرفي السنة أم من موالي الشيعة لملالي إيران. اليوم، وإزاء ما يحدث في وطننا لا يجب التغاضي عنه والتقليل من شأنه، فنحن لسنا أغبياء إلى هذا الحد؛ لأنْ نقبل تظاهرة عنيفة تخرج وتحطم فقط من أجل مقالة عابرة يتحمل كاتبها وزر ما ورد فيها، وهذا متعارف عليه في أبجديات العمل المهني الصحافي، فنحن ندرك أن التوجيه الحركي يأتي بوصايات خارجية؛ لتحقيق أهداف منها: تأكيد وجود الطائفة وقوتها في هذا البلد، ولاسيما بعدما آلت كل العمليات الإرهابية إلى الفشل والخسران الماحق، فهذه تعد نقلة نوعية في العمل السياسي المرتبط بزعامات معينة، ولا يختص بها الشيعة، بل حاول في التسعينات الميلادية فريق من السنة الموصومون بالإخوانية، بأفعال مماثلة إلى حد ما، أعني تأكيد الوجود الحركي من خلال مباشرة التغيير بتوجيهات قيادات وجدت لها أصفياء ومناصرين، وقد تنبهت الدولة إلى خطر هذا التدخل السافر في سياسة الدولة وتوجهاتها بما يخدم أغراضاً أخرى، اكتشفت أخيراً إلى أي جهة تنتمي. اليوم، والمنطقة العربية تمر بمرحلة وعرة تحيط بالخليج من كل جانب، تستغل هذه الظروف؛ لتمرير أجندة خارجية، من خلال عملاء؛ لتحقق إنجازاً نوعياً من خلال اختلاق الفوضى على خلفية قضايا تكاد تكون تافهة أو لا وجود لها أصلاً، ولنقترب من الصدق أكثر وبعيداً عن المذهبية، وكما قلنا لمتطرفي السنة نقول أيضاً لمتطرفي الشيعة: لماذا يكون الاحتشاد البغيض والتدمير هو وسيلتكم للتغيير؟ هل تستشعرون قوتكم بما يكفي لأنْ تحطموا أبسط قواعد السياسة الداخلية التي تمنع هذا العبث جملة وتفصيلاً، ولاسيما في هذا الوقت المتأزم؟ أليس لديها دوائر مختصة يمكن مخاطبتها لإيصال صوتكم من دون عملية الاستعراض الفج الذي لن يصفكم إلا بالخارجين عن النظام؟ من الذي حقن رؤوسكم بكل هذه العدوانية وجعلكم بيادق على رقعة شطرنج؟ لن تعترفوا بأن إيران وراء هذه الحمية المذهبية، وستنكرون أن نظام الملالي ليس له دين في السياسة؛ لأن قدراته في التدمير والقتل أعلى من قدراته في البناء والإحياء؟ هل يستوعب وطننا الجديد تحت مظلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أدنى محاولة تقسيم في الاتجاهات والأفكار والمذاهب؟ المتطرفون السنة الذين علَّقوا صوراً ثابتة لابن لادن والبغدادي وغيرهم هم خونة للوطن بامتياز، مثلهم تماماً الذين يعلقون صوراً للخميني ونصرالله وروحاني في منازلهم. هل الموت من أجل ولاء خارجي عقدي لا يوازيه وطن يوفر لهم الأمن وحرية المذهب وحرية العيش؟ ألم يقتنع هؤلاء بأن الاختراق الإيراني لبلدنا أصبح من رابع المستحيلات، ولاسيما بعدما اكتُشفت خططهم الإستراتيجية لمنطقة الخليج برمتها؟ على متطرفي الشيعة أن يجتثوا الحلم الذي يراودهم، فلن يتمكنوا من تكوين جبهة شيعية داخلية موالية لإيران على غرار الحوثي أو حزب الله توجِد لهم معادلة على الهوى الإيراني، فكما قُضي على متطرفي السنة من قاعديين ودواعش، سيأتي الدور على كل من تعلق قلبه بإيران وسلَّم قياده لها على حساب وطننا الآمن -بحول الله-، لذلك من الضرورة بمكان البحث عن أنظمة متقدمة لتنظف وطننا من هذه القاذورات المذهبية العالقة بكياننا، وهذا يحتاج منا إلى بداية صادقة.. ولكن برأيكم كيف نبدأ؟ هذا سؤال كبير لا يمكن الإجابة عليه بعجالة، لذلك نحن بمسيس الحاجة إلى مراكز أبحاث وطنية هي -للأسف- غير موجودة يسند إليها مهمة البحث والتقصي وجمع المعلومات والبيانات وتحليلها؛ لكي تخرج لنا إستراتيجية يمكن من خلالها فهم ما يحدث، والطرق المثلى لاجتثاث أدوات الإرهاب وقطع الطريق أمام صناعه، قبل أن يستفحل الفساد وتستشري أيدي الدخلاء؛ لاستثارة الفتن الطائفية وخلق حالة من الاضطراب باستغلال التفرقة بين أطياف أبناء الوطن الواحد. فما لم تقم الدولة بتمتين مناعاتها الداخلية ودفاعاتها الحدودية الحازمة ضد أدنى تسلل لجرثومة الفوضى فسنظل هدفاً لأعداء خارجيين، يتحينون الفرص لتقويض أمننا، وليكن هدفنا استحداث ميثاق وطني لا يقوم على مذهبية ولا عرقية ولا طائفية؛ يتضمن قوانين صارمة ضد محاولة العبث بمقدرات الوطن أو محاولة زرع الفتن الطائفية، من خلال لغة الإقصاء أو الاستعداء، وسن قوانين أشد تُدِين الانتماء إلى أي جهة خارجية وتجرمها بما يصل إلى الخيانة العظمى. وأخيراً، ليكف السذج عن إلصاق التهم الطائفية بكل وجه لطائفة ما، نقداً أو حذراً من الاستسلام للأهواء الخارجية، فهذه المناحات لم تعد نافعة، فشدوا الهمة للمشاركة في بناء وطننا الجديد. * نقلا عن "الحياة"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه