2015-10-10 

مهرجان» كان وأحزان العراقيين‏

سارة مطر

ثمة اختلاف غير ممنهج بين العراقيين الذين يقطنون منذ عشرات الأعوام خارج العراق، وبين العراقيين الذين وُلدوا داخله، ولم يقرروا الخروج من رحمه، على رغم تكالب الظروف والأزمات التي تدفع أي عاشق للحياة ولإنسانيته إلى الفرار من هذا الذبح الطائفي الحانق. العراقيون الذين فروا من الوطن إبان حكم صدام، وعادوا إلى زيارة مدنهم وقراهم بعد سقوط بغداد التاريخي في قبضة أميركا، التي سلمتها إلى إيران، يشهدون أن العراق كان أجمل، كان أفضل مما هو عليه الآن، على رغم الحكم الديكتاتوري في عهد صدام، إلا أن المخرج البريطاني العراقي من دون أن أحتاج إلى ذكر اسمه، يشهد بأن العراق الآن لا يستحق أن يعيش مثل هذا العبث الصاخب، وأنه يحن طويلاً إلى عراقه الجميل، كما يحن أي عربي أصيل، لأن يكون أي وطن عربي ينام مواطنوه في أمن واستقرار مثل بقية البلاد والأوطان الأخرى، لا يهم إذا ما توافرت فيه دار أوبرا، أو صالات سينما، إذا ما استطاعت أخته أو أمه قيادة سيارة، إذا لم يحصل على قرض لسكن أو منحة دراسية سريعة من دون واسطة، إذا ما تعطلت الكهرباء في حيه السكني أربع ساعات، وعادت «زي الفل» بعد ذلك، إذا حصل هناك تزييف في اختيار الناخبين لمجلسه البلدي، إذا اصطاده «ساهر» واضطر إلى أن يسدد مخالفة تكفي أحياناً ثمناً لوجبة عشاء لخمسة أيام، كل هذه تلغى من رأس العراقي، لأن حاجته إلى وطن لا تعمه الطائفية هي أكثر مبتغاه الإنساني ليس لنفسه فقط، وإنما هو يفكر في مستقبل الأجيال المقبلة. يعاني العراقيون المهجرون مرارات عدة، أولها أن مواطنيه يتعمدون اغتيال أحدهم الآخر، هذا هو وجعهم الذي يحدِّثونك به من دون انقطاع، الوطن.. والوطن هو همهم الداخلي، الذي يثرثرون به من دون انقطاع، حتى وهم يحملون جنسيات مختلفة، ويشاركون في مهرجان كان السينمائي، الذي أحضره للمرة الأولى في حياتي. أنا سعيدة بهذا الاحتفال، سعيدة بكل تلك الوجوه النابضة، باللافتات العريضة، بحشد الهويات المتنوعة، بالصفقات التجارية الفنية التي تتم على مدار الساعة، بالطوابير التي تبدأ منذ الساعة السابعة والنصف صباحاً، من أجل حضور فيلم هنغاري وفيليبيني وإيراني وألماني، مدينة كان تضج بالحياة، والعراقيون يضجون بالحزن والأسى، شيء ستلحظه عليهم، أنهم جميعاً لا يعرفون متى سيتم الخلاص النهائي؟ متى سيتمكن بعضهم من زيارة بغداد والبصرة والعمارة من دون خوف من بطش أي من لصوص الطائفية بهم؟ إنهم يصلون وهم يقفون على «الرد كاربت»، أن تخلص العراق من البطش والقتل والسرقة بأسرع وقت، بعضهم يقول: لا تبحث عن المال في أي مكان، ابحث عنها فقط في العراق، فالأموال تتدفق بغزارة، مثلما كانت تتدفق أثناء الحرب الأهلية في لبنان، وبعضهم يضيف: إذا أردت أن تكون أشهر حرامي فاذهب إلى العراق. هذا ما يقوله العراقيون هنا في مدينة كان، هذا ما يقوله العراقيون صناع السينما، لم آتِ بكل تلك الأحاديث والأقوال من رأسي، إنما هم أنفسهم يتشاركون هذا البوح علانيةً أمامنا، غير مكترثين بصخب المهرجان، بالحضور البهي لفنانين وفنانات قدِموا من كل بقعة في العالم، ليقدموا للحضور رؤيتهم وملابسهم الفاخرة. * نقلا عن "الحياة"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه