2015-10-10 

اليسار المغربي يشارك في الانتخابات.. لكن هل بعد فوات الأوان؟

من الرباط، دعاء اليزن

يرى الكثير من المحللين في النموذج المغربي الذي تحاشى تبعات الربيع العربي باجراءات اصلاحية استباقية هدأت من موجة التغيير التي تتابعت على عدة بلدان عربية نجاحا وذكاءا. فبعد احتجاجات 20 فبراير 2011، ونشوء حركة معارضة حملت الاسم ذاته، بادر الملك الشاب إلى إجراء تعديلات دستورية انتهت بانتخابات برلمانية مبكرة في نوفمبر 2011. وبينما عزف اليسار المغربي عن المشاركة في الانتخابات باعتبار أنها تتم في نفس الظروف القديمة من وجهة نظرها، نجحت احزاب يمينية في احراز مكاسب مكنتها من تشكيل الحكومة. لكن، فيما يبدو، أن تلك الاحزاب اليسارية راجعت موقفها المقاطع للاستحقاقات الانتخابية في البلاد، الأمر الذي يرى محللون انهم أفضى إلى عزلة هذه القوى عن التلاحم مع الجمهور والتعريف بنفسها وببرامجها. فقد أعلنت فيدرالية اليسار الديمقراطي، وهو اتحاد حزبي مؤلّف من ثلاثة أحزاب يسارية مغربية راديكالية (الحزب الاشتراكي الموحد، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي)، العام الماضي خوضها للاستحقاقات الانتخابية المقبلة المختلفة (محلية، برلمانية). والأحزاب التقليدية المشكِّلة لليسار الراديكالي باستثناء حزب المؤتمر الوطني الاتحادي كانت قد رفضت المشاركة في الانتخابات المبكرة التي أجريت في 25 نوفمبر 2011، وهي الانتخابات الأولى التي تشهدها البلاد بعد إقرار تعديلات دستورية جديدة. ويبدي البعض خشيته من أن يكون هذا التحالف مجرد نزوة انتخابية أملتها لحظة انفعالية لهذه الأحزاب بسبب خوفها من الدخول في حالة من "العزلة" إذا ماتمادت في مقاطعة المشاركة المؤسساتية. ويبدو أن فيدرالية اليسار الديمقراطي توافق على الحاجة إلى إنهاء المقاطعة، قد لايكون هناك إجماع لدى قواعد أحزاب الفيدرالية حول ماتريده من التحالف. بعد انتخابات 2011، أعاد حزبا الطليعة والاشتراكي الموحد النظر في خيار المقاطعة الذي تسبّب لهما بمزيد من العزلة والانفصال عن الشارع. ويقول محلل سياسي مغربي إن أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي تراهن على فرصة المشاركة في الانتخابات لتجديد التواصل مع المواطنين والتعريف باختياراتها وبرامجها وتصوراتها، لكن المشاركة لاتخلو من مخاوف من أن تفضح ضعف هذه الأحزاب الغارقة في مشاكلها التنظيمية والتي لم تبنِ أي قاعدة اجتماعية يمكن التعويل عليها انتخابياً، كما أنّ الفشل في الفوز بعدد كافٍ من المقاعد لتحصيل فريق برلماني سيولد شحنات سلبية لن تفعل سوى تأجيج الانقسامات الداخلية. ويضيف عماد استيتو عبر تحليل له نشره معهد كارنيجي لدراسات السلام بعنوان معضلة اليسار المغربي "يمكن القول أنهم أصبحوا بائدين بعد مقاطعتهم الطويلة للمسار الانتخابي بشكل جعل المؤمنين بهم وبما يقدمونه أقلية، وهو مايعني أن فرصهم الحسابية في الانتخابات القادمة تبقى ضعيفة جداً، كما أن مواقفهم ورؤاهم لاتتقاطع مع باقي الأحزاب اليسارية الإصلاحية مايجعل فرضية اشتغالهم أو تنسيقهم مع هذه الأحزاب مستبعدة جداً، وهو ماسيؤدي في النهاية إلى جعلهم معزولين وضعيفي التأثير حتى لو حصلوا على بعض المقاعد." ويشير التحليل إلى رؤية العديد داخل الأحزاب الثلاثة أن الانتخابات تمرين مهم لمعرفة وزنها الحقيقي وحجم الدعم الذي تحظى به في أوساط المغاربة. على الرغم من أن فيدرالية اليسار الديمقراطي لاتراهن على تحقيق فوز انتخابي فوري، إلا أنها ترى أنه قد يكون من الناجع العمل على بناء تراكم منذ الآن قد يوصل في محطات انتخابية قادمة إلى تحقيق نتائج أفضل، لأنها ستكون على الأقل قد استطاعت عبر المشاركة إيجاد موطئ قدم لها في الساحة الانتخابية وحشد تأييد فئات جديدة وكسب تعاطف المترددين وبالتالي تشكيل نواة قاعدة جماهيرية مفترضة. وقال استيتو لايزال على هذه الأحزاب أن تقدّم تفسيرات واضحة حول كيف يمكن للمشاركة الانتخابية تحقيق أهدافها المعلنة في ورقتها التأسيسية وأبرزها الانتقال إلى نظام ملكي برلماني وبناء دولة مدنية ديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية. وأكد الخبير على أن اليسار المغربي يواجه جملة من التحديات، أبرزها ترجمة صوته المعارض والممانع إلى أصوات انتخابية تجعله يحدث تغييراً في موازين القوى. مشيرا إلى إدراك هذه الأحزاب صعوبة المهمة وشبه استحالة تحقيق نتائج تتجاوز ماحققته الأحزاب الثلاثة مجتمعة - ستة مقاعد - في الانتخابات البرلمانية في العام 2007. وخشية كثر في فيدرالية اليسار الديمقراطي أن تفضي المشاركة في الانتخابات إلى تكريس الطبيعة الأقلوية لأقصى اليسار المغربي. مؤكدا على أن خيار المقاطعة سوف تحوله إلى مايشبه نوادي المفكرين وتجعله مكتفياً بتنظيم الندوات والحلقيات، بدلاً من أن يمثّل هذا اليسار أحزاباً سياسية فعلية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه