2015-10-10 

قطار علي إبراهيم

مشاري الذايدي

ما زلت أتذكر حين أخبرني الزميل المخضرم محمد الشافعي، في هذه الصحيفة، بخبر الأزمة القلبية التي تعرض لها زميلنا الخلوق نائب رئيس التحرير علي إبراهيم. كان الشافعي يتحدث وهو يغالب دموعه، ليس فقط لأن علي إبراهيم تعرض لأزمة صحية حادة، وليس لأن الشافعي وإبراهيم تربطهما علاقة صداقة وزمالة ومشاركة مهنة وغربة في لندن، بل لأن هذه الضربة حدثت لعلي إبراهيم في مكتبه وبين فريق «الشرق الأوسط»، فكانت الصدمة مضاعفة. مرت أسابيع وأشهر وكل أصدقاء وزملاء الأستاذ علي إبراهيم على نار القلق، ونسائم الأمل، بأن يعبر الرجل أزمته الحادة والمفاجئة، والتي غيبته عن الوعي، بقرار من الأطباء، فترة مديدة. شخصيًا شرفت بالعمل مع الأستاذ علي، وأشهد أنه دمث الخلق، معجون بسيرة مهنية صحافية عريقة، من القاهرة لأبوظبي حتى لندن، يتمتع بجلد ومثابرة على التفاصيل، وله نظرة خبيرة في صنعة العناوين وترتيب الأخبار، دون حدة أو شجار. وفوق هذا وذاك لديه روح مرحة وحضور لطيف المعشر. ابن بلد، بالوصف المصري، ولذلك فقد سررت حين رأيت مقاله قبل يومين في هذه الجريدة، وهو يكتب عن أهم تجربة في حياته، معنونا مقاله بـ«تحويشة العمر». جاء في وصفه لما حدث له تلك العشية اللندنية: «كما فوجئ الزملاء الذين كانوا معي في المكتب بالأزمة الصحية التي ضربتني، وشبهها أحد الأطباء المعالجين بأنها أشبه بقطار صدم شخصًا فجأة، فإنني كنت أول المتفاجئين، فلم تكن هناك أي مقدمات، وكل شيء حدث فجأة مساءً بعد اجتماع مجلس التحرير للصفحة الأولى اليومي الاعتيادي وتسارعت التطورات، والحقيقة أنني لم أدرِ بشيء لأسابيع نظرًا لوقوعي تحت تأثير مخدرات قوية يستخدمها الأطباء بعد العمليات الجراحية». غلبه «الجورنالجي» في داخله فلم يشأ أن يترك متابعة الأخبار، في أول تعليق له بعد العودة من غيبة المرض، فقال: «خلاف ذلك، لو انتقلنا من الشخصي إلى العام، فإن الغياب عدة أسابيع عن متابعة الأخبار ثم العودة إليها مرة أخرى لا بد أن يشعرك باكتئاب؛ فتطورات العالم العربي من سيئ إلى أسوأ والأزمات تنافس أو تناطح بعضها». القطار المسرع الذي شبه الأطباء به ما حدث لقلبك وكأنه اصطدم بك، هو أيضا قطار متهور يضرب قلب المنطقة وجنبها، ويريد هرس عظامها، قطار يقود مقوده في المقصورة قائدان؛ واحد معمم من طهران، وآخر معمم أيضًا، من الرقة والرمادي، وكلها عمائم سوداء، تلتف على عقول سوداء. غير أن هذا القطار المسرع المتهور، والذي طوى الأرض طيًا خلال فترة غيابك، وجد أخيرًا من يكبح جماحه، ويجبر عجلاته الحديدية على خفض السرعة لدرجة تقارب التوقف، ونتج عن ذلك شرر متطاير من تصادم إرادتين؛ إرادة الدمار لدى القطار المجنون، وإرادة الحياة لدى ضابط المرور. نحن في هذه اللحظة الآن. سلامتك يا علي، وعودًا حميدًا. * نقلا عن "الشرق الأوسط"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه