أحياءٌ تحت الأرض

نحن لا نرحل حين نموت، لكننا نتغير. تتحلل أجسادنا وتحلق أرواحنا إلى عالم أجمل. لكننا رغم ذلك نأبى أن نترك الأرض التي خلقنا من طينها وتنفسنا هواءها، وقضينا فيها سنوات قدّرت لنا. نتشبث بكل شيء، فنترك أثراً في ذاكرة كل من عرفنا عن قرب أو حتى من سمع بنا. فالحنين الذي يشعر به أصدقاؤك في لحظات وحدتهم هو أنت، والبسمة التي ترتسم على شفاه من أحبوك وهم يتأملون صوراً جمعتهم بك على هواتفهم أو في ألبومات صورهم هي أنت، ولحظات التأمل التي تأسر من يقرأ حروفك التي نثرتها على حساباتك أو كتبك هي أنت. في المقابل، قد تكون الدمعة التي تترقرق في عيني والديك بسبب عقوقك، وقد تكون الحسرة التي تخنق قلباً أحبك بسبب خداعك، وقد تكون سبباً للتعوذ حين تذكر أمام من ظلمته! إنه خيارك! خيارك أنت. نحن لانملك سطوة التحكم المطلق في حياتنا، إنما نستطيع أن نتحكم فقط في اللحظة الراهنة التي نعيشها الآن، والتي من الممكن أن تكون الأخيرة. نحن نملك أن نبقى أحياء في عقول وقلوب من تركناهم فوق الأرض حين نستغل كل فرصة متاحة في زرع بذرة خير تنمو وتزهر من بعدنا، من خلال سلوك حسن يتوارثه غيرنا، أو ذكرى طيبة تحفرها إيجابيتنا في حياتهم، أو برٍّ لا تحكمه أمزجة، أو حبّ وإيثار لا حدود لهما ولا غاية منهما. أكاد أجزم أنك وأنت تقرأ، تذكرت أرواحاً عديدة عبرت طريق حياتك، وربما شغلك التفكير قليلاً في الأسباب الكامنة وراء ما كان يقوم به بعضهم من سلوكيات مزعجة ومؤذية، أو انجرفت نحو التساؤل عن حجم قلوب البعض الآخر الحانية وعن السر وراء بياضها أو عن كونهم بشراً مثلك أو ملائكة! لكن ماذا عنك عزيزي القارىء؟ سأتركك تفكر وأختم مقالي الأول في هذه الصحيفة الموقرة، بقول الشاعر: مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ @Randa_AlSheikh Randa_sheikh@yahoo.com