2015-10-10 

أقرب مما نتصور

سمير عطا الله

الديمقراطية قائمة على الامتحان المتكرر. أهم رجل في تاريخ فرنسا المعاصرة (ديغول) سقط بعد عشر سنين. أهم امرأة في بريطانيا منذ فيكتوريا والعصر الفيكتوري (تاتشر) خرجت بعد عقد. تشرشل، بطل الحرب، خرج سريعًا في السلم. غالبًا، يكون الغرور هو السبب الأول في الخروج. أوائل الثورة السورية ظهر على التلفزيون رجل بسيط من دمشق وقال في بساطة فائقة «لا نريد شيئًا سوى بعض التواضع». رجب إردوغان لم يحضر ذلك المشهد. نسي أن تواضعه حمله إلى الحكم. تناسى حماس الناس له يوم كان يتوقف عند بائع العصير، ويستعيد معه أيام كان هو أيضا في هذه المهنة. آخر جملة نُقلت عنه قبل انتخابات الأحد قوله إنه بنى القصر الأسطوري لأن الصراصير قد أزعجته. تركيا مجموعة مفارقات قصوى. من خمسة قرون من السلاطين والخلفاء إلى سحابة قرن من أتاتورك والعلمانية والعسكريتاريا. واقعة جغرافيًا ما بين أوروبا والشرق، لكن أوروبا لا تريدها إلا دولة عادية، وهي لا تريد الشرق إلا دولة كبرى. وتلك الجماعات الإثنيّة التي طالما تجاهلت وجودها كالأكراد، رأت في النافذة الاقتراعية بابًا تدخل منه إلى مواجهة العسكر والإخوان معًا. وعلى تركيا الآن، أن تعتاد الحياة «على الطريقة الإيطالية»، أي أكثرية غير قادرة وحدها على الحكم، وأقليّات غير قادرة مجتمعة على السلطة. والائتلاف يعني حكومات قصيرة البقاء. ويعني برلمانًا كثير المتاعب. وقد يعني أيضا اضطرابًا في الاقتصاد الذي عرف في عهد إردوغان الأول، ازدهارًا لا سابقة له. سؤالان مهمّان في ضوء هذا المتغير: إلى متى تستمر الشراكة بين إردوغان ومنظّره ومنظّر السلطانية، داود أوغلو؟ والثاني: ما هو انعكاسه على السياسة حيال سوريا؟ هل تجعله الخسارة أكثر تشددًا أو أقل انخراطًا؟ لقد أصبح الشأن التركي في دارنا، ولم تعد انتخابات إسطنبول شأنًا محليًا. هناك الموقف من سوريا، وهناك الموقف من مصر، وهناك التحالف مع قطر، وهناك العلاقة الخاصة مع السعودية. وإضافة إلى كل ذلك، هناك موقع تركيا كدولة أطلسية، من القضية الفلسطينية. لم يعد في الإمكان أن ننظر إلى انتخابات تركيا ونتائجها وانعكاساتها، على أنها شأن تركي فقط، إنها، لأول مرة منذ انهيار السلطنة، الأكثر علاقة بالشأن العربي. سواء بجناحين، أو بجناحين مقلَّمين، يجب أن نراقب حال السلطان إردوغان.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه