2015-10-10 

قرية عراقية تقرر منع التدخين وحديث الدين والسياسة!

من البو ناهض (العراق)، جان مارك موجون

يعد التدخين واطلاق العنان لأبواق السيارات والجدل في المسائل السياسية جزءا لا يتجزأ من يوميات العراقيين. إلا ان احدى قرى جنوب العراق قررت منع هذه العادات وتقديم صورة صحية مشرقة مناقضة. يقول كاظم حسون لوكالة فرانس برس "التدخين مضر جدا لكم"، وهو واقف الى جانب اشارة حمراء وبيضاء لمنع التدخين عند مدخل قريته البو ناهض الواقعة على ضفاف نهر في الاراضي الخصبة لجنوب العراق. وبحسب وكلاة الأنباء الفرنسية يقود حسون عملية التحول في القرية وقوانيها غير المألوفة، مستكملا اسسا وضعها والده جبر حسون قبل اعوام. ويعد منع التدخين في القرية خطوة جريئة في بلد ليس مستغربا فيه ان يدخن الناس في المصاعد ومحطات الوقود وحتى اروقة المستشفيات. في العراق ايضا، منع تنظيم الدولة الاسلامية التدخين في المناطق التي يسيطر عليها منذ نحو عام. الا ان هذا هو الامر الوحيد الذي تتشارك به القرية مع مناطق سيطرة التنظيم الذي ارتكب فظاعات بذريعة الدين. ويقول حسون "غير الدين كل شي في هذا البلد، لذا احد قوانينا هو منع التحدث بالدين. الدين يجب ان يكون في قلبك، بينك وبين الله". واجه العراق موجات دامية من العنف الطائفي خلال الاعوام الماضية. وفي حين بقيت المناطق الجنوبية في منأى الى حد كبير عن هجمات الجهاديين، الا ان العديد من ابنائها تطوعوا للقتال الى جانب القوات الامنية ضد تنظيم الدولة الاسلامية، وقضى كثيرون منهم في الميدان. ويقول فرحان حسين علي، وهو طبيب واستاذ جامعي، ان والد حسون الذي كان ابرز وجهاء القرية، هو الذي شرع في "سن" قوانينها اللافتة. ويقول خلال جلسة على سجادة حمراء في مضيف البو ناهض "في زمن (الرئيس الاسبق) صدام (حسين)، كان الناس صامتين. لكن بعد سقوط النظام (2003)، عاود الجميع التحدث في السياسة". ويوضح ان جبر حسون، والد كاظم، والذي "لم يكن يرغب في حصول اي نقاشات واقر المنع... للحفاظ على السلم في مجتمعنا". الا ان كاظم طور افكار والده، ويشرف حاليا على محاولة جعل القرية اشبه بمكان نموذجي يمتنع فيه الناس عما يضرهم. وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للاطفال واستخدام ابواق السيارات، على الرغم من ان اي عقوبة لا تفرض على المخالفين. ويؤكد كاظم (46 عاما) ان مشروعه هو محاولة لجعل القرية صديقة للبيئة تتبع ممارسات صحية، اكثر منها مجتمعا مغلقا ذا قوانين غريبة. ويقول "اريد ان يصبح هذا الشارع شبيها لقطعة من اوروبا". يضيف وهو يشير بيده الى صف من اشجار النخيل المزروعة حديثا بجانب الطريق "في الخامس من حزيران/يونيو قمنا بزرع 300 شجرة"، سائلا "كم من الاماكن الاخرى في العراق احيت يوم البيئة العالمي في 2015؟"، في اشارة الى المناسبة السنوية التي تحييها الامم المتحدة. ويعتبر حسون ان احياء يوم البيئة "كان ناجحا. قد يبدو الامر غير مهم، لكن يمكن ان اكون من قرية صغيرة وجزءا من العالم في الوقت نفسه". يتابع "لا يقل لي احد ان قريتي لا تحدث فارقا". وانعكست خطوات حسون ايجابا على سكان القرية، ومنهم مصطفى جبر (28 عاما)، الرياضي والمدرب البالغ من العمر 28 عاما، والذي وجد ضالته عندما بدأ حسون بتنظيم منافسات رياضة بدنية محلية. ويقول حسون "رياضة الجري ليست موجودة في ثقافتنا. عندما اخرج من المنزل لاجراء تماريني اليومية، يتوقف الناس حتى الذين لا اعرفهم، ويعرضون عليي ان يقلوني بسيارتهم". حتى جبر اعتقد بداية ان الفكرة غريبة، الا ان حسون اقنعه بالركض معه ومع شبان آخرين. وفي فترة قصيرة ظهرت مهارات جبر الرياضية. وحاز الشاب جوائز في منافسات عراقية للجري وركوب الدراجات الهوائية، كما ان مجموعة الشبان الذين يزاولون رياضة الجري مساء في القرية تكبر. ويقول جبر الذي فرغ لتوه من ممارسة السباحة اليومية "هذه القرية لها خصوصية لانك تحصل على دعم لا تجده في اي مكان اخر في العراق". في وقت سابق من هذه السنة، شارك ثلاثة آلاف شخص في سباق سنوي يقام في القرية، ويشمل الركض لمسافات مختلفة بحسب الفئات العمرية. ويقول حسون الذي عاد قبل ثلاثة اعوام من الامارات العربية المتحدة حيث امضى قرابة عقدين من الزمن، "فوجئنا برؤية هذا العدد الكبير من المهتمين بالصحة والبيئة"، مشيرا الى انه ينوي تنظيم سباق ماراتون في القرية، والبحث عن سبل لاشراك النساء بشكل اكبر في تطوير القرية. ويوضح "الناس محافظون هنا... اعتادوا على التفكير بان على النساء تمضية الوقت في المنزل. لقد كسرنا حواجز عدة، الا ان هذا الحاجز سيتطلب وقتا". احد الحلول التي ينوي حسون اختبارها هو "مركز ثقافي" في طور البناء، حيث سيتاح للاناث اللقاء مرتين اسبوعيا والمشاركة في ندوات واستعارة كتب ستكون عن "الادب والفلسفة والتاريخ. بالتأكيد لا كتب دينية". ويتابع "بالتأكيد سيكون ثمة كتب لشعر (الاديب الفرنسي شارل) بودلير. هو السبب الذي دفعني الى تعلم اللغة الفرنسية في صغري". وفي حين ان تعداد سكان القرية لا يتجاوز 700 نسمة، الا ان ناسها مقتنعون بان تجربتها قابلة للتكرار في مناطق اخرى بالعراق. ويقول فرحان حسين علي "اذا ما قارنت قريتنا بقرى اخرى مجاورة، تجد ان المشاكل قليلة هنا... نأمل في تحذو قرى اخرى حذونا".

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه