2015-10-10 

كيف تكون؟

سمير عطا الله

قرأت في الماضي رسالة محرر لسائحة أميركية تشكو من أن مفتش تذاكر القطار نكَّد رحلتها بين روما ونابولي، لأنه بدل أن يستعمل كلمة «تيكيت» الدولية أصر على كلمة «بييتي» الإيطالية، التي لم تفهم ماذا تعني! واستمعت قبل أعوام على «بي بي سي» (راديو 4) إلى لقاء مع مجموعة من الفلاسفة تحت عنوان «ما هو أكثر ما يضايقك في هذا العمر؟». وأعطت أستاذة في الثانية والثمانين تشكو من داء المفاصل، جوابًا أثار الآخرين: «غطاء القناني الصعب». هل حياتنا مؤلفة من القضايا الكبرى أم من الأشياء الصغيرة؟ ما هو أكثر أهمية: حل مشكلة التلوث البيئي أم القسط الدراسي لحفيدتك؟ الصحف الأكثر مبيعًا في أميركا هي الصحف المحلية. ابن ولاية اركنساو يريد أن يعرف من جريدته آخر أخبار داء الدجاج، وليس موقع هيلاري كلينتون، زوجة ابن الولاية وحاكمها السابق، في انتخابات الرئاسة. هذا أمر لا يعني شيئًا قبل عام ونصف. وتفاصيل لن يعود لها أي أهمية بعد إعلان النتائج، سواء فازت زوجة بيل كلينتون أو فاز منافسها. كم نسخة يمكن أن توزع صحيفة عربية عنوانها الأول هذا الصباح عن ارتفاع أسعار الأدوية؟ صفر. كم عربي يقرأ دراسة عن مشكلة الجفاف القادمة؟ كم مجلة فكرية استطاعت البقاء خلال العقود الخمسة الماضية؟ هل يريد السوري «المقيم» في مخيم تركي أن يعرف مدى احتمال الحرب العالمية الثالثة أم موعد توزيع الحساء والبيض المسلوق؟ تكبر المسائل وتصغر في عين الرائي. والشعوب السعيدة هي التي لا تعنيها «القضايا الكبرى»، وتطورات الحرب الباردة، ومدى تعافي جون كيري من كسر الساق. هناك قضايا أكثر أهمية مثل الطرقات الحديثة التي لا تتسبب في كسر العظام، والضمان الصحي الذي لا يبقي مريضًا فقيرًا دون علاج، وضمان الشيخوخة الذي يعطي المشهد الإنساني صورة ذليلة ومذلّة. ولكن كيف يمكن أن ننتقل إلى حياة القضايا الصغيرة إذا لم نحل قضايانا الكبرى؟ كيف يمكن للعربي أن يفكر في داء الدجاج إذا لم يحدّ من الداء الذي يحصد البشر والبيوت والمدارس والنوم؟ عندما أقرأ بعض الصحف «المحلية» في أميركا، لا أفكر في أخبارها، بل في أخبارنا. والسيدة الأميركية التي تضايقت من مفتش التذاكر في القطار، لا تعرف أن المرأة العربية تركب المراكب الغارقة في المتوسط وهي حامل. والفيلسوفة البريطانية المتذمرة من مفاتيح القوارير، لا تعرف أن زجاجة المياه مشهد لم يره نحو 5 ملايين سوري منذ أربع سنوات. ترى ما هي المسألة؟ تلك هي المسألة. ليس أن تكون، بل كيف تكون. وأين.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه