2015-10-10 

أحياء يرزقون ويسخرون

طارق الشناوي

لم تعد شبكات التواصل الاجتماعي حكرا على من لحقوا بها، وعاشوا تفاصيلها سواء سعدوا بها أو اكتووا بنيرانها. صارت الأداة الأكثر تأثيرا وحضورا، كلنا نعيش تحت مرمى هذه الشبكات، وأيضا من غادروا حياتنا قبل اختراعها تلاحقهم هذه النيران، فلقد تم استدعاء عبر الـ«يوتيوب» الكثير من رجال السياسة والفن الذين غادروا الحياة قبل عقود طويلة من الزمان، لكي نراهم يتواصلون معنا افتراضيا ويشاركونا بالرأي الصريح في كل مناحي الحياة من مقاومة «داعش» إلى يوم التحقيق مع الراقصة الأرمينية الأصل صوفينار، ومن ليلة هزيمة الزمالك من الأهلي، إلى ليلة استحواذ النجم الشاب محمد رمضان على العيدية من خلال الإيرادات غير المسبوقة التي حققها فيلمه «شد أجزاء». دائما هناك تعليق ما منسوب إلى إسماعيل يس، وعبد الفتاح القصري، أو زينات صدقي، وعادل أدهم، وتوفيق الدقن، وفريد شوقي، وغيرهم من الفنانين أصحاب البصمة الخاصة، كما أن لرجال السياسة أمثال جمال عبد الناصر، وأنور السادات، والملك فاروق، وغيرهم آراء يعتد بها، ودائما ما يتم تداولها عبر «النت» باعتبارها تتعرض للحظة الراهنة، كما تم استنساخ شخصيتي «سي السيد» و«الست أمينة» من ثلاثية نجيب محفوظ لنجد أمامنا يحيى شاهين وآمال زايد اللذين جسدا الشخصيتين في الفيلم الشهير «بين القصرين» الذي أخرجه حسن الإمام في الستينات لكي يقدم كل منهما رأيه أيضا في حدث تعيشه الأمة العربية، الروح الساخرة حاضرة بقوة في كل موقف. تستطيع أن تقول: إن الإنسان قبل تلك الشبكات غير الإنسان بعدها. لولا تلك التقنية ما كان من الممكن أن تنجح ثورات الربيع العربي التي كان وقودها الشباب وقد تواصلوا على شاشات الكومبيوتر، وعندما حاولت وزارة الداخلية في مصر إجهاض ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، أوقفت «النت» لكي تُظلم هذه الشبكات عدة أيام على أمل أن تلتقط الدولة أنفاسها وبعدها توجه ضربة قاضية للثورة، كان شباب تونس أسبق في ثورتهم والأسبق أيضا في توجيه المتظاهرين المصريين لوسائل مواجهة القنابل المسيلة للدموع عن طريق غسل العين بالمياه الغازية وهي كما ترى وصفة شعبية لن تجدها في أي «أجزخانة» ولا أتصور أن أي طبيب من الممكن أن يقر بها، ولكن من خلال تجربتي الشخصية في اليوم الأول للثورة المصرية أقول لكم إنها تُشكل علاجا ناجحا. الزمن لا يعترف سوى بالتواصل عبر كل المستجدات التي يطرحها العصر، موجات الإذاعة اللاسلكية بدأت في الحرب العالمية الأولى ولعبت دورا محوريا في الحرب الثانية وكانت خطب الزعماء يتم تناقلها عبر أثير الإذاعة مثل القنابل التي تلقيها الطائرات، مصر مثلا أعلنت ثورتها في 23 يوليو (تموز) عام 1952 التي احتفلنا بها قبل أيام قليلة عن طريق الإذاعة، وهو ما فعلته أيضا سوريا وكانوا يقولون بسبب كثرة الانقلابات العسكرية هناك أن الضابط السوري الذي يصحو مبكرا ويحتل إذاعة دمشق يستطيع إقامة الثورة، وفي أثناء العدوان الثلاثي على بورسعيد عام 56 كان الهدف الاستراتيجي لإسكات صوت مصر هو ضرب الإذاعة. شبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورا أهم لأنها خرجت عن سيطرة الدول، وهذا ما يشكل وجها إيجابيا، حتى لو حملت أحيانا لغة التخاطب قدرا لا ينكر من التجاوز. تغيرت دائما أدوات التواصل في أسلوب تعامل البشر، وعبر كل حقبة زمنية، ولكن الجديد هو أننا قررنا اعتبار الماضي جزءا حميما من الحاضر، ووجهنا دعوة لعدد من رموزه فصاروا عبر تلك الشبكات يتنفسون ويرزقون ويتفاعلون وينفعلون ويسخرون معنا أحيانا وعلينا أحيانا.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه