2015-10-10 

رحالة الصيف: رحلة اليابان

سمير عطاالله

أكتب هذه «الجعبة» من طوكيو، من غرفتي في «أوتاني الجديد». أكتبها، لا لأبدأ بها فصول رحلتي، بل لأنفِّس عن صدري في هذه اللحظة. الساعة الآن الرابعة صباحًا. إنني، منذ وصولي إلى طوكيو وأنا أعاني الأرق والبرد والزكام والسعال الديكي! فضلاً عن الشوق والحنين إلى الوطن والأهل وأحباء القلب جميعًا. وقد حاولت معالجة الأرق بالمطالعة، بالحبوب المنومة، بالاستسلام إلى حلم جميل، لكن من دون فائدة! كما حاولت معالجة البرد والزكام باللجوء إلى الفراش و«الكوكعة» تحت اللحاف، لكن البرد اللعين ظل يخترق لحمي وعظامي ويحولني إلى قطعة من الجليد! ويحول الغرفة إلى براد «جيبسون»! وسبب البرد الشديد حلول فصل الشتاء في طوكيو، ووجود جهاز تكييف الهواء في الغرفة. وعبثًا جرَّبت إقفال جهاز التكييف، فاتضح أنه مثل حكم شاه إيران، يدار من الخارج! وهكذا فُرض عليَّ البرد في الفندق الضخم. ومع الأرق نوبات السعال. ومع هذا كله، التدخين! نعم، إني أكح وأدخن، وأدخن وأكح، على الرغم من معرفتي أن بين الكح والتدخين (خطًا بشعًا اسمه: الطرونبوز) أو انفجار الرئة! أو ذاك الداء الذي لا يرجى منه الشفاء. ولكن، ما بال الشمس في اليابان لا تُشرق بسهولة؟ ما بالها تبطئ في المجيء؟ يُطلق على هذه البلاد اسم «بلاد الشمس»، فأين هي الشمس؟ إنني أنتظرها وكأنني على موعد معها، فلماذا تخلف موعدها وتتركني حبيس الغرفة وجوِّها العابق بدخان السجائر والأفكار السوداء؟ لقد طال ليلي وطال غياب الشمس عني. أنا الذي ما جئت إلى اليابان إلا لأستعجل الفجر وأستبق الزمن، فكانت النتيجة أن أصبت بخيبة أمل مشحونة بالأرق والزكام أو السعال الديكي! وفي لحظة من لحظات اليأس، خطر لي أن أحطم زجاج النافذة وأقفز إلى الشارع واضعًا بذلك نهاية سريعة لرحلتي وحياتي المليئة بالمتاعب والزكام ودعاوى محكمة المطبوعات! نظرت إلى المقعد وقلت لنفسي: هيا حطم به الزجاج واقفز.. هيا تشجع يا أستاذ، يا محترم، يا مسافر وحدك. هيا وكفى أرقًا! هيا وكفى بردًا! هيا وكفى زكامًا، كفى سعالاً، كفى انتظارًا لشروق الشمس! صحيح الانتحار ضعف وجبن، ولكنه في اليابان شجاعة وبطولة، فلماذا لا تكون بطلاً وتنتحر؟ لماذا لا تغتنم هذه الفرصة الذهبية، فرصة وجودك في عاصمة الانتحار والمنتحرين الأبطال، وتختصر البقية الباقية من الحياة بقفزة إلى الشارع؟ لقد أدَّيت قسطك في خدمة وطنك وأهلك ومهنتك، ولم يعد من الحق أن تطالب بالمزيد. ولكن.. هل يحسبها اليابانيون بطولة؟ إن طريقتهم في الانتحار هي «الهاراكيري»، وليست القفز من النافذة مثل القطط أو الأرانب! وعلى هذا فلن أعتبر بطلاً إلا إذا انتحرت بالطريقة نفسها التي ينتحرون بها في اليابان، أي بـ«الهاراكيري»، ولكن من أين آتي بخنجر أو بسيف في هذا الوقت؟ ومن قال لليابانيين إن طريقتهم في الانتحار هي الفُضلى، وهي رمز البطولة، بل من قال لهم إني أرضى أن أمزق معدتي وأحشائي، وأرضى أن أشاهد مصاريني أمامي قبل طلوع الروح؟ إذا كانت هذه هي البطولة، فأرجو المعذرة إذا قلت «طز فيها»، «وطز في (الهاراكيري)»، و«طز في الانتحار أصلاً». ومرحى للحياة بحلوها ومرها وغياب شمسها في اليابان! إلى اللقاء.. من جريدة الشرق الأوسط

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه