2015-10-10 

رجل مثل أمه

محمد اليامي

قارئة «الحياة» الدكـــتورة لمياء شمت من السودان تقيم في السعودية أرسلت تقـــول: «شكراً عميقاً لانتباهتك السديدة في التفريق بين «الذكر» بقبح تسلطه اﻷعـــمى وشهوانيته الجامحة وانفلاتاته وفصاماته النفسية واﻷخـــلاقية وتشوهاته الاجتماعية، وبين «الرجل» ببصيرته اﻹنسانية وتوازنه النفسي والوجداني. وهو ما يرفع المفردتين إلى خانة المصطلح الاجتماعي المهم تدبره وفهم محمولاته الفارقة. وبعدها يبطل العجب من طوفان الذكورية الكاسح في مقابل الرجولة النادرة، والواعية بعمق الهوة وجسامة التواطؤات». تعليق القارئة كان رداً على مقـــالــــة «ذكور المـــنــكر» الذي تحدثت فيه عن حادثة التحرش بفتـــاتين في جدة، والتي أثارت الرأي العام السعودي، ومــــن ثم انقـــسامه حول الموقف من الفتاتين، والتي ختمـــتها بالـــقول: صورة المرأة الواقعية في حالتها الإنسانية مشوهة في ذهن الشاب «الذكر»، لكنها ليست كذلك في ذهن الشاب «الرجل». والحقيقة أن التحسر على الرجولة ساد كثيراً أخيراً، إذ ترى النساء أن هذه الصفة بمعناها النبيل العقيم تتقلص كثيراً، وأن منصفي المرأة سواء في تفكيرهم، أو أفعالهم الحقيقية على أرض الواقع وعند ممارسة الحياة يصبحون في حكم النادر. ولعلي أستحضر قصة سمعتها في الإذاعــة قـــبل ســـنوات يرويها مستمع عن أحد أصدقـــائه، وهـــي تقــــول: سأل الطفل والده، «يعني أيش خلّك رجال»؟ قال الـــوالد: يعني أن تهتم بأطفالك وتـــرعــاهم وتـــذاكر لهم دروسهم، وتــتابع أمور العائلة وتشتري البـــقالة والتـــموين، والذي يمـــرض تذهـــب به إلى المستشفى وتتابع علاجه، وتحرص على أدائهم الصلاة وتنفيذ الواجبات المدرسية ومجاملات الأسرة. تحمس الطفل وقال: «خلاص من بكرة بصير رجال زي أمي»! هذا الطفل الصريح والواقعي انتصر ببراءة وعفوية لقناعة يشاهدها عملياً أمام عينيه، وليس للنظرية، والأب اختار أن يلقن ابنه قيماً جميلة لتعريف الرجولة، فإجابته التي تشكل اعترافاً بدور زوجته الحيوي كأنها انتصار لها في ذهنية ابنه، رجل المستقبل، ثم هي شكر وامتنان لأنه كان صادقاً أولاً، ثم منصفاً، ثم مقدراً للمرأة هنا، وهي ملامح رجولة أو إحدى صفاتها النبيلة. هناك مسافة ثقافية شاسعة بين معنى الرجولة الحقيقي بمكارم الأخلاق وبالمواقف وبالصفات النبيلة التي يقرها كل دين، ومعاني ذكورية غرست في الذهنية الجمعية للشاب العربي والتي من بينها بالطبع نظرته للمرأة، تعامله معها، وأيضاً من بينها نظرته لكيفية إثبات القوة، القوة بمعناها الجسدي، ومعاني تجاوز العرف والقانون، كما حدث في التحرش مع الفتاتين وفتاة الطائف، على رغم عدم وجود قانون خاص للتحرش. أيضاً هناك مسافة عاطفية كبيرة بين الرجولة من وجهة نظر الأنثى بما تعنيه من الحنان والصدق والاحتواء والثبات على المواقف والاتكاء على الاحترام واللطف، وبين الذكورة التي يلقنها الآباء، وللأسف بعض الأمهات لفلذة كبدهم وهو مقدم على صياغة أفكاره عن الأنثى. البعض يعامل المرأة بما لا تستحق ليس كرهاً لها، بل حباً في ذاته، فهو يريد إثبات رجولته المزعومة والمغلوطة في آن، بصرف النظر عن اعترافه بأنوثتها.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه