2015-10-10 

لماذا «الدويلة العلوية» ليست خياراً...؟

خيرالله خير الله

خلاصة الخطاب الأخير لرئيس النظام السوري أنّه لا يزال لديه خيار الانكفاء إلى الشاطئ السوري وأن يقيم دولة ذات امتداد في لبنان عاصمتها دمشق. هذا يفسّر إلى حدّ كبير التركيز المستمرّ منذ اندلاع الثورة السورية على حمص التي تقف عائقاً دون ربط دمشق بالساحل السوري. كذلك، يفسّر التركيز على عرسال وضرورة إزالتها من الوجود نظراً إلى أنّها عقبة بين ربط دويلة «حزب الله» في البقاع اللبناني والمناطق المحيطة بدمشق، مثل القلمون، وصولاً إلى حمص...ومنها إلى منطقة الساحل. هذا الكلام عن الدولة العلوية، ذات الامتداد اللبناني، تجاوزه الزمن، كما تجاوزته الأحداث، لا لشيء، سوى لأنّ الشرخ الطائفي والمذهبي في سورية صار واقعاً أليماً بعدما عجز النظام عن فهم أنّه انتهى منذ فترة طويلة. لم يستوعب النظام أنّ إيران لن تكون قادرة على إنقاذه، لا عبر خبرائها، ولا عبر ميلشياتها المذهبية العراقية واللبنانية والإفغانية، ولا حتّى عبر صفقات السلاح مع روسيا...ولا عبر الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. معروف أنّ خيار الدولة العلوية كان دائماً مطروحاً لدى الأسد الأب والأسد الابن. الباحث الأميركي جواشوا لانديس، المتزوّج من علوية، والذي عاش طويلاً في سورية يقول إنّ الجيش الذي أنشأه حافظ الأسد، والذي يسيطر عليه الضبّاط العلويون، إنّما أنشئ استعداداً للوصول إلى اللحظة الراهنة. الجيش تحت السيطرة العلويّة لا أكثر ولا أقلّ. كلّ الشعارات المستخدمة عن العروبة والبعث، بشعاراته الفارغة، وتحرير فلسطين ليست سوى غطاء لهذا الواقع. ليس سرّاً ما تحدّث عنه الملك عبدالله الثاني في إحدى مقابلته الصحافية عن الإنكفاء العسكري للعلويين في اتجاه الساحل عندما اقترب الجيش الإسرائيلي من دمشق في حرب العام 1973. كانت هناك دائماً خطة بديلة لدى النظام الذي أقامه حافظ الأسد الذي سعى دائماً إلى اكتساب شرعية على الصعيد السوري والعمل، في الوقت ذاته، على أن يكون الخيار العلوي، خيار حلف الأقلّيات، مطروحاً وفي متناول اليد. كان مطلوباً في كلّ وقت المتاجرة بالفلسطينيين وقضيتهم بغية تغطية المشروع الأصلي للنظام، أي المشروع العلوي. كلّ ما يستطيع أن يفعله بشّار الأسد الآن، هو المساهمة في تفتيت سورية. في النهاية، ما الذي يمكن أن يفعله بشّار في الساحل السوري حيث لا توجد مدينة كبيرة واحدة ذات أكثرية علويّة؟ لعلّ أخطر ما في الأمر أن الأسد الابن يُستخدم حالياً، من حيث يدري أو لا يدري، في الانتهاء من سورية. سيحاول الإيرانيون إنقاذه. الكلفة بالنسبة إليهم كبيرة ماديا، علما أنّ هذه القدرة المالية لإيران ستزداد في حال رفع العقوبات عنها نتيجة توقيع الإتفاق النووي. لكنّ هذه القدرة تبقى محدودة من الناحية البشرية. عدد الإيرانيين الذين يُقتلون في سوريا قليل جدا. أين مشكلة ايران عندما يُقتل مئات الشبان اللبنانيين أو العراقيين أو الأفغان من أجل تحقيق ما تصبو إليه، أي دولة علوية تدور في فلكها؟، إنّه رهان يستأهل ما تدفعه إيران من مليارات من أجل بقاء سورية جسراً إلى الداخل اللبناني... لا يعكس الخطاب الأخير لبشّار الأسد سوى الحال النفسية لرجل معزول عن العالم وعن سورية نفسها، يرفض الاعتراف بالواقع. يتجاهل إنّه على رأس نظام لا يمتلك أيّ شرعية من أي نوع كان. النظام مرفوض من شعبه أوّلا. هناك أكثرية سنّية في سورية. امتلك حافظ الأسد ما يكفي من الدهاء للتعاطي مع الموضوع المذهبي بطريقة ذكّية. راهن أوّلاً على شقّ السنّة بتفريقه بين سنّة الأرياف وسنّة المدن. قبل كلّ شيء، لم يتسلّم الأسد الأب رئاسة الجمهورية مباشرة بعد الانقلاب الذي نفّذه في السادس عشر من نوفمبر 1970، عيّن رئيساً موقتاً يدعى أحمد الخطيب، كان مجرّد استاذ مدرسة في الريف السوري. انصرف بعد ذلك إلى الصلاة في كلّ يوم جمعة في أحد المساجد السنّية في مناطق سورية مختلفة. أراد بكلّ بساطة توجيه رسالة فحواها أنّه مسلم وأنّ لا فارق بين السنّة والعلويين. انتظر ثلاثة أشهر كاملة كي يصبح رئيسا للجمهورية. عمل بعد ذلك، على الاستعانة بواجهات من سنّة الأرياف، هو الذي يكره أهل السنّة في المدن وقد اشرف شخصياً على استبعاد كلّ الضباط الكبار الذين ينتمون إلى مدن مثل دمشق وحمص وحماة وحلب. استخدم حكمت الشهابي وعبد الحليم خدام ومصطفى طلاس وشخصيات مثل محمود الزعبي وفاروق الشرع وغير هؤلاء، بصفة كونهم من سنّة الريف أو من مدن صغيرة. فدرعا هي من أكبر الحواضن الريفية السنّية للبعث القديم الذي استعان به حافظ الأسد في مشروعه السلطوي. حقّق حافظ الأسد نجاحاً كبيراً في المحافظة على نظامه بعدما عرف كيف يؤسس لحلف الأقليات المدعوم من سنّة الأرياف. هذا ما لم يحسنه بشّار الأسد الذي اعتقد أن العائلة أهمّ من الطائفة وأنّ شبكة العلاقات التي أقامتها العائلة، وهي شبكة قائمة على المصالح الاقتصادية التي بات الأقارب يحتكرونها، كافية لحماية النظام بطبعيته الجديدة. كان التصرّف الأحمق في درعا في مارس 2011، الدليل الأوّل على أن بشار أخل بالتوازن الدقيق الذي أقامه والده وعمل على حمايته. هذا التوازن شمل أيضا اللعب على إيران. صحيح أن حافظ الأسد عمل على إقامة علاقة في العمق مع إيران، وهي علاقة ذات طابع مذهبي في العمق، إلّا أنّه عرف كيف يستخدم الورقة الإيرانية لابتزاز العرب الآخرين، على رأسهم قادة الدول الخليجية. كان هناك توازن يقوم عليه النظام السوري. في أساسه الحلف مع سنّة الريف. لم يكتف بشّار الأسد بضرب هذا التوازن، بل ذهب بعيداً في الاتكال على إيران وعلى ميليشيا «حزب الله» التي صارت جزءاً من أمن النظام، خصوصاً بعدما ملأت الفراغ الذي خلّفه الانسحاب السوري من لبنان في أبريل 2005. عاش النظام السوري أطول بكثير مما يجب. لم يكن نظاماً طبيعياً في أيّ شكل أو مقياس. استفاد حافظ الأسد طويلاً من غباء البعثي الآخر صدّام حسين وحماقاته وغياب قدرته على التعاطي مع المعادلات الإقليمية والدولية. كان بين المستفيدين الأساسيين من مغامرة احتلال الكويت قبل ربع قرن. الآن، لم تبقَ لدى النظام السوري سوى الورقة الإيرانية التي تراهن حاليا على خيار الدولة العلوية. مثل هذا الخيار يمكن أن يؤسس لحروب جديدة تستمر سنوات طويلة. كذلك يمكن أن يؤسس لتفتيت سورية أكثر مما هي مفتّتة. لكنّه ليس خياراً قابلاً للحياة، لا لشيء، سوى لأن ليس في الإمكان جعل السنّة أقلّية في أي بقعة من بقاع سورية أو أي منطقة من مناطقها، حتّى لو كان هناك امتداد لبناني لهذه البقعة أو المنطقة... من جريدة الرأي الكويتية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه