2015-10-10 

كيف لك أن ترثي الغياب؟

سارة مطر

فكرة الغياب دائماً موجعة، سواءً أكان هذا الغياب أبدياً، أم أنه غياب المسافات والبصر وأسقف البنايات العالية، يعرف الجميع خوفهم من ثوب الغياب، حينما يرتديه بعض العشاق، حتى تصل الحال بأحدهم أحياناً إلى الاستسلام للموت، أو فقدان العقل؛ لعدم قدرة أحدهما على تجاوز تعب الألم، أو العودة إلى الحياة كما كان، مازلت أشعر بعدم التواؤم مع الغياب بكل صوره، لذا، فأنا أتعاطف مع النساء اللائي فقدن أبناءهن أو أزوجهن ورغبن في أن يتواطأن مع العطش والصمت والاحتضار المبكر، فارتدين السواد بقية حياتهن؛ لسبب لا يخفى على أحد، أن هناك بوابة عظيمة اسمها النسيان، من السهولة أن ينزلق بها أحدنا، تقسو عليك ذاكرتك فتحيل ذكريات الأمس إلى عدم، ولولا اختراع اسمه الكاميرات، لكنا في الحقيقة نسينا ملامح الكثير ممن فارقوا حياتنا بقسوة، من دون أن يعلموا أن رحيلهم ما هو إلا موت آخر بالنسبة إلينا. السواد بالنسبة إلى النساء ذاكرة أخرى، تشكل روحاً جديدة، وهو ما يمكنه أن يجلب الدموع حتى في عز لحظات الفرح المعطرة، المرأة في العادة تميل إلى الإتقان في عملها، حتى في طريقة سبرها لأحزانها، ترغب دوماً في أن تكون جديرة أمام نفسها بالمباهاة العظيمة، تميل إلى الانسحاب الخفي، وتحاول أن تقتل الحياة بينما تصرخ بداخلها بأعلى صوتها؛ لكي تخرج وتستيقظ وتبدأ من جديد. لا أحب أحاديث الموت، أو فقدان الأحبة والأقارب والزملاء، لكني أعترف بأني تأثرت أكثر مما تخيلت، بفقدان الزميل الإعلامي المهذب صاحب الابتسامة الجميلة، سعود الدوسري، لم أكن وحدي من تألم لفقدانه، عليك أن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، لتكتشف كيف استطاع هذا الإنسان الجميل، أن يخلق كل هذه الفوضى من الحب لغيابه. هل بكيت... بالطبع؟ ثمة آلام اندفعت بداخلي، كنت أحاول أن أجرب أن أتنفس من مكان غير أنفي، فصدري قد امتلأ بالهواء الرطب الساخن، وكنت وقتها أبلل قدمي في حوض السباحة، أبحث عن وسيلة للخروج من مشكلة نقص فيتامين «دال» الذي يعاني منه معظم أبناء وطني، تعبت من النهارات التي قست عليّ في ذلك المنتجع البعيد، كنت أحاول في الساعات المبكرة أن أتصالح مع الشمس، وفي المساء قررت أن أتصالح مع المياه والمكان الممتلئ بالجسور ومرتفعات الأشجار، وفجأة قرأت خبر وفاة زميلي الدوسري، في المدينة التي أعاني فيها عدداً من الانقلابات، لم أمتلك وقتها إلا أن أضع يدي على قلبي. المفاجأة تقتلك أحياناً، وأحياناً أخرى تقودك إلى أن تقوم بتصرفات خارقة عن العادة، لم يكن متوقعاً هذا الغياب، لم يكن أحداً منا مستعداً لأن يغلق الضوء على صورة الإعلامي سعود الدوسري، لم يكن أحد منا يود أن يقرأ نعيه، أو يتابع كلمات الحب في غيابه، بدا الأمر مذهلاً للجميع، لا أظن أن يحصل إعلامي سعودي على هذا الكم الكبير من الحب والنعي والوفاء من الأصدقاء والزملاء، كما حصل عليه الدوسري، من الصعب أن يجتمع الكثيرون على حب وطن واحد، امرأة واحدة، كتاب واحد، أغنية واحدة، لكن الغريب أن الجميع اجتمع على حب هذا الرجل الإنسان. أول مرة التقيت سعود الدوسري ولم أكن حينها إلا مراهقة صغيرة، في صيف باريسي في فندق ميرديان آيتوال، وكانت سعادتي لا توصف حينما رأيته يقف خلفي، مازلت أتذكر تهذيبه وابتسامته المتألقة، لا يمكنني أن أنسى ذلك اليوم المميز بالنسبة إلى مراهقة كانت تستمع دوماً إلى صوته عبر أثير «أم بي سي-أف أم»، لم أكن أتخيل أن يجتمع الاحترام والتواضع والثقافة في شخص واحد، لكن ما حدث لي في ذلك الوقت من تسعينات القرن الماضي، بدا حدث الموسم في حياتي المبكرة. والآن ها أنذا أكبر، وأكتب رثاء في رحيله، فعلاً تقاسيم الحياة قاسية جداً. من جريدة الحياة

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه