2015-10-10 

هل يمكننا يوماً العيش بلا أجساد؟

فهد الأحمدي

ليس مثل العرب في إدراك علاقة الرأس بالجسد.. فحين نريد موت أحدهم "نقطع رأسه" وحين نحترم شخصا نقول "على رأسي" وحين نرد عليه نقول "يسلم لي رأسك" وحين نؤكد مواقفنا نقول "على رقبتي" أو "مادام رأسي يشم الهوا" ! .. ولا يبدو أن علاقتنا بالرأس ستنتهي قريبا كون التقدم العلمي يسير باتجاه إبقاء الرؤوس حتى بعد ذهاب أصحابها.. فالعنوان الذي بدأنا به المقال قد يبدو خياليا وغير معقول، ولكن الحقيقة هي أننا نعيش بلا أجساد في عالم الأحلام (فنرى ونسمع ونتحرك دون حاجة لحواس وعضلات).. كما نعيش بعد وفاتنا وتحلل أجسادنا في عالم البرزخ منتظرين انتهاء الدنيا وقيام الساعة ومعرفة مستقرنا النهائي.. أما في حياتنا الدنيا فيمكننا هذه الأيام الاحتفاظ بالرؤوس المقطوعة حية من خلال أجهزة الدعم التي تزودها بالدم والأوكسجين (خصوصا في حال تم ذلك أثناء حياتها وقبل فصلها عن الجسد).. أذكر أنني كتبت مقالا تحدثت فيه عن نجاح الطبيب الروسي سيرجي بركوننكو في الاحتفاظ برأس كلب مقطوع (حياً) لمدة طويلة. ويعود سر نجاحه إلى ابتكاره آلة تضخ الدم والغذاء للرأس المقطوع تعد نواة الآلة المستعملة حاليا في العمليات الجراحية.. وفي عام 1954 قام جراح روسي آخر يدعى فلاديمير ديموكوف بقطع رأس كلب صغير وزرعه قرب رأس كلب آخر ضخم.. وكانت هذه العملية واحدة من عشرين عملية مماثلة تضمن بعضها إيصال النصف الخلفي لأحد الكلاب بالنصف الأمامي لنوعية أخرى مختلفة.. وحينها حظيت هذه التجارب برعاية الحزب الشيوعي الحاكم الذي روج لها لإثبات تقدم الاتحاد السوفياتي.. وأيضا.. لإيجاد حل سريع لمشكلة الأعمار المتقدمة التي طالت الرؤوس الكبيرة في الحزب! .. أما هذه الأيام فأصبح من السهل القيام بهذه العملية حتى في أقل المستشفيات إمكانية ولكن لم ينجح أي جراح في إعادة ربط الحبل الشوكي العصبي بقاعدة الدماغ (ولو نجحوا في ذلك لما رأيت بيننا مصابا بالشلل الرباعي)! والحقيقة هي أن حالات الشلل الرباعي نفسها قد تكون خير دليل على إمكانية عيش الرأس بلا جسد.. ففي هذه الحالة يصاب الجسد من أسفل الرقبة بشلل كامل يشمل الأطراف الأربعة.. وهذا يعني أن الجسد يتحول الى مجرد قاعدة حيوية لدعم الرأس فقط بحيث يبقى الانسان حيا يفكر وينظر ويسمع "ويشم الهوا".. ومن جهة أخرى؛ تمكن العلماء منذ السبعينيات من استخراج الأدمغة البشرية وإبقائها حية في سوائل حافظة مليئة بالأوكسجين.. وهي طريقة توازي الاحتفاظ بالجسد الميت دماغيا من خلال ربطه بأجهزة الدعم الحيوية.. وهذا يعني أن الأدمغة يمكنها أن تظل حية بعد وفاة أصحابها على أمل استخراج ما فيها ذات يوم (ولهذا السبب احتفظ الأميركان بدماغ أنشتاين، والروس بدماغ لينين، وخضع كلا الدماغين لآلاف الدراسات والتجارب العلمية).. وبالطبع فوائد الاحتفاظ بالأدمغة والرؤوس الحية أكثر من أن تحصى.. إذ يمكن مثلا فصل الرؤوس عن أجسادها الهرمة أو المريضة واستبدالها برؤوس شابة مات أصحابها دماغياً (وهناك تجارب لتحقيق هذه الفكرة تجري اليوم على قردة البامبو).. وفي حال تطورت عمليات زرع الشرائح الالكترونية في دماغ الانسان (كما يفعل البروفيسور كيفن ورويك منذ عام 2002 جامعة كولومبيا) ستنتهي الحال باستخراج الإبداعات والذكريات من أدمغة فذة تم فصلها قبل وفاة أصحابها (وهذا شرط أساسي بالمناسبة)! .. نعم؛ قد تكون الفكرة متطرفة ولكنها ليست خيالية .. وقد تبدو جديدة ولكنها تعود الى أيام جنكيز خان الذي أمر قبل ألف عام بخياطة الرؤوس المقطوعة فوق أجسادها لتعويض حاجته الدائمة للجنود!

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه