2015-10-10 

أربعة أسباب رئيسية تدفع السوريين للهروب من سوريا

من برلين، كريستين هيلبيرغ

يتساءل الكثيرون من الأسباب القاتلة التي دفعت بالسوريين عن غيرهم من الشعوب التي اشتعلت فيها نيران الحرب أو الثورة الي هجرة وطنهم والسعي لمستقبل مجهول ربما يتكبدون فيه ارواحهم أو ارواح اغلى عليهم من انفسهم. وتشير التقارير الصحافية إلى أنّ عدد اللاجئين السوريين بلغ نحو اثني عشر مليون شخص - أي أكثر من نصف عدد سكان سوريا الأصليين. وبحسب موقع قنطرة فإن تركيا ولبنان على وجه الخصوص لم تعودا إلاَّ مجرَّد دولتي عبور بالنسبة للاجئين القادمين مباشرة من سوريا فإنَّ تركيا ولبنان. أمَّا سوريا فهي مُقسَّمة إلى أربع مناطق نفوذ يحكم فيها: أولاً- نظام الأسد، ثانيًا- جماعات معارضة مختلفة، ثالثًا- حزب الاتِّحاد الديمقراطي PYD الكردي المقرَّب من حزب العمال الكردستاني، رابعًا- تنظيم داعش الذي نصَّب نفسه كدولة. من المعروف لماذا يهرب الناس من إرهاب نظام تنظيم داعش، ولكن مع ذلك من الممكن للمرء من دون شكّ أن يعيش تحت حكمه طالما كان مسلمًا سُنِّيًا يلتزم بالقواعد والأحكام الفظيعة ويقبل بأن يدفع حرِّيته الشخصية ثمنًا للخبز بسعر مستقر. في الواقع إنَّ السبب الأهم للهروب من سوريا ليس تنظيم داعش ، بل هو نظام الأسد، فهذا النظام يقتل بسلاحه الجوي على الأقل سبعة أضعاف من أعداد المدنيين الذين يقتلهم تنظيم داعش، وهذا "الإرهاب من الجو"، مثلما تسميه مجموعات المجتمع المدني، يُدمِّر جميع المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة - المعتدلة وكذلك الإسلامية. ذكرت منظمة أطباء بلا حدود أنَّ في أغسطس الماضي تم تنفيذ غارات وعمليات قصف عنيفة طيلة عشرين يومًا متتالية في منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة، التي تُقدِّم فيها هذه المنظمة الدعم لثلاثة عشر عيادة سرية مؤقتة. ويقول الطبيب الشاب أبو عدنان الذي كان يعمل طبيبًا في أحد تلك العيادات أنّ ربع ضحايا هذا القصف - القتلى أو الجرحى - كانوا من الأطفال دون سن الخامسة. ويقول الطبيب الجرَّاح المتدرِّب إنَّه يريد أخيرًا تعلم إجراء العمليات العادية بدلاً من إخراج شظايا القنابل من سيقان الأطفال. وكتبت كريستين هيلبيرغ لموقع قنطرة تؤكد أنّ العلوين ضحوا بعدد كبير من أبنائهم من أجل الحفاظ على سلطة بشار الأسد، ولكن من دون الحصول على أي شيء مقابل ذلك، بل على العكس من ذلك، فهم يشعرون بأنَّهم مهدَّدون من قبل تنظيم داعش وكذلك من قبل جماعات المعارضة المتشدِّدة، في حين أنَّ الأسد نفسه لم يعد يستطيع الاستمرار إلاَّ بمساعدة إيران وحزب الله اللبناني إنَّ الذي يريد الهروب من غارات النظام ولا يستطيع الخروج خارج حدود سوريا، يلجأ إمَّا إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الاتِّحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا، أو - من المفارقة بمكان - إلى الأراضي الخاضعة للأسد (في وسط دمشق أو المحافظتين الساحليتين اللاذقية وطرطوس). صحيح أنَّ هذه المناطق يتم ضربها بالصواريخ من قبل المعارضة وتنفجر فيها أحيانًا بعض مفخخات تنظيم داعش بيد أنَّها تعتبر أكثر أمانًا بالمقارنة مع براميل النظام المتفجِّرة. وفي المقابل يتعرَّض الناس هناك في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد لمضايقات من قبل قادة ميليشيات الشبيحة المحليين وتتم مراقبتهم من قبل أجهزة المخابرات. ولهذا السبب فإنَّ السكوت والتواري عن الأنظار يمثِّلان أهم استراتيجيات البقاء على قيد الحياة في هذه المناطق. ولكن في الواقع يزداد الاستياء بين مؤيِّدي الأسد، وخاصة بين العلويين، وهم المجموعة الطائفية التي ينتمي إليها أيضًا آل الأسد. الهرب من التجنيد الإجباري، في الحقيقة تقوم روسيا بتوسيع مطار عسكري على الساحل السوري وترسل معدَّات وجنود إلى الأسد، وهذه الحقيقة تُقدم دليلاً آخر على أنَّ الأسد لم يعد قادرًا على حماية المنطقة. كما أنَّ جيشه قد انتهى، لأسباب منها: لأنَّ النظام بات يهتم قليلاً بالمعتقلين أو بالجنود المحاصرين من قبل مقاتلي المعارضة، الأمر الذي يزيد الشعور بأنَّهم سوف يكونون وقودًا لحرب الأسد. ولهذا السبب فإنَّ العلويين الشباب بالذات يهربون إلى أوروبا من التجنيد الإجباري. وكذلك يهرب من الخدمة العسكرية الأكراد من مدينة القامشلي ومناطق أخرى فيما يطلق عليها اسم "روج آفا" ويديرها حزب الاتِّحاد الديمقراطي الكردي. فمنذ أن بات يجب على الرجال المتراوحة أعمارهم بين ثمانية عشر وخمسة وثلاثين عامًا أن يقتالوا في صفوف وحدات حماية الشعب ضدَّ تنظيم داعش بات يزداد عدد الشباب الذين يغادرون البلاد. وحتى أنَّ منطقة عفرين، التي تشكِّل أحد الكانتونات الكردية الثلاثة في أقصى الغرب، فرضت بالتالي حظرًا على السفر. إذ إنَّ حزب الاتِّحاد الديمقراطي الكردي يخشى من حدوث تغيير ديموغرافي على حساب الأكراد إذا استمرت زيادة عدد العرب السوريين الباحثين في عفرين عن الحماية من قنابل الأسد، وفي الوقت نفسه مع مغادرة الأكراد السوريين منطقة عفرين. إذًا ما العمل من أجل بقاء السوريين في وطنهم أو العودة إلى هناك؟ بحسب الطبيب الشاب أبو عدنان فإنَّ معظم مواطنيه لديهم أمنية واحدة فقط: مناطق حماية يمكن أن تنقذ الأرواح وتمكِّن الكثيرين من العودة إلى ديارهم. وفي هذا الصدد يقول هذا الطبيب البالغ من العمر ستة وعشرين عامًا: "سأكون أوَّل مَنْ يجلس في الطائرة من أجل العودة إلى وطني".

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه