2015-10-10 

انهيار الأوبامية المهادنة

عبد الله الجنيد

المهادنة Appeasement تعني " سياسة تفادي المواجهة " و يعتبر نفيل تشمبرلن ، رئيس وزراء بريطانيا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية، أشهر امثلتها بعد ما قال في خطابة للأمة عبر اثير البي بي سي في 27 من سبتمبر 1938 ، اثر لقائة بهتلر في ميونخ : " How horrible, fantastic, incredible it is that we should be digging trenches and trying on gas masks here because of a quarrel in a far-away country between people of whom we know nothing " " كم هو قاسي ، و مذهل ، و غير مقبول أن يفرض علينا حفر الخنادق و تجربة الأقنعة الواقية من الغاز هنا بسبب نزاع بين شعوب لا نعرفها في أصقاع بعيدة " ألمانيا النازية اجتاحت بعد ذلك التشيك بسبب رفضها الإذعان و التنازل عن سيادتها على أجزاء من أراضيها الحدودية، " القاسي " أن الاجتياح النازي حدث قبل ان يجف حبر الوثيقة التي تعهد فيها هتلر لتشمبرلن بعدم غزو التشيك . ذلك التراخي الاوروبي في تحدي الارادة النازية أشعل أتون الحرب العالمية الثانية في كل زوايا الكرة الارضيّة ، و البلاد القريبة و البعيدة الى حين توقيع وثيقة استسلام اليابان في خليج طوكيو 2 سبتمبر 1945 على متن البارجة ميسوري ، و بعد ان استخدمت الولايات المتحدة باكورة إنتاجها من السلاح الذري باستهداف مدينتي هيروشيما و نكازاكي . جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة مثلت خشبة المسرح لآخر فصول " استراتيجية المهادنة" الأوبامية عندما افترض ان بمقدوره توظيف المكان في الضغط على بوتين لتحقيق تراجعا نسبي يقود لإنفراجة في الموقف الروسي ، مما قد يفظي لحل الملف السوري المتداخل . الا ان الرئيس بوتين حول الحدث و المكان لميدان قياس الإرادات ، بما فيها توظيف سلاح الجو الروسي في قصف المناطق المحررة من قوات نظام بشار الاسد ، و رافعا بذلك سقف التكلفة المدنية و السياسية . فسوريا لم تعد ميدان صراعً إقليمي ، بل مواجهة ساخنة بين إمبراطوريات الشرق ( الصين و روسيا ) الطموحة بذراعها الإيراني ، و الإمبرطورية الامريكية المرتبكة تحت قيادة الرئيس اوباما . بوتين لم يتوقف عند ذلك ، بل اقدم على تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم ايران و العراق لمواجهة داعش في سوريا و العراق ، في تحد غير مسبوق في تاريخ التزاحم على النفوذ بين البلدين منذ انهيار الاتحاد السوفيتي . اما نتيجة المهادنة الأوبامية سياسيا ، فإن حالة عدم الاستقرار السياسي عالميا هي السمة المشتركة في كل قارات العالم القديم . ما لم يفاجئ المراقبون في مسرحية جر الحبل على اللحم السوري من قبل الروس و الامريكان ، هو تبني الوزير كيري لمصطلح " وثيقة جنيف " كما سوق لها سابقا في موسكو من قبل احد الأطراف العربية ، إلا أن الموقف السعودي كان واضحا في التاكيد على ضرورة الحل السياسي حسبما حددته جنيف واحد فقط ، و أن لا مكان في العملية الانتقالية لبشار أو ممن تلطخت يده بالدم السوري . و عاد وزير الخارجية السعودي للتأكيد على أن الخيارات مفتوحة في فرض ذلك بما فيها العسكري ، و عندما سأل في ذلك من قبل أحد الصحفين ، أجاب " بتشوف" . نحن لا نملك اليوم التخلي عن خيار الحزم كما قال فارس الدبلوماسية العربية المرحوم بإذن الله الامير سعود الفيصل حينما قال " نحن لسنا بطلاب حرب و لكن إن هي كتبت علينا ، فنحن لها " ، هذا هو سقف موقفنا الثابت .

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه