2015-10-29 

تحرير الجوار

سمير عطاالله

مرَّ ربع قرن على احتلال الكويت. حاكم أصيب بضائقة مالية فأرسل جيشه ومرتزقته إلى أرض سواه. لبىّ العراق، بلاد ما بين النهرين، «نداء» عاطل عن العمل والفكر، لضم الكويت إلى المحافظات العراقية. يومها، سقط النظام العربي كما نعرفه، وفقدنا مكاننا في النظام الدولي. ضمت سوريا إليها «الكيان» اللبناني «المصطنع». فهو أيضًا أرض مسروقة من الوطن الأم، ولذا استعيد كمحافظة، وضع على حكمها ضابط سوري برتبة عقيد.

في الطريق إلى استعادة فلسطين، كان لا بد من استعادة المحافظات الأقرب أولاً. ولما لم يكن لدى معمر القذافي محافظات سليبة، فقد طاف بدوره يتبضّع وحدات عاجلة. أراد الملازم أول أن يرث جمال عبد الناصر وأن يكون شريكًا للحسن الثاني والحبيب بورقيبة في حكم المغرب وتونس. لعبة الولد والسبع وحدات. وأدرك أبو نضال مشاعر الوحدويين حيال بعضهم البعض فطاف ينقّل بندقيته بين بغداد ودمشق وسرت. والدول التي تمنعت عن دعم نضاله، أُسقطت طائراتها المدنية.

عصر من الفوضى والقساوة والموت يتقدمه شعار فلسطين والدبابات المتراجعة. احتكر الحلم القومي مفسرون ينشرون الكوابيس في كل مكان. ما من حدود إلا وخلفها عداء أو تربص أو ابتزاز. سقطت كل المشاريع الثقافية والتقدمية والعلمية، وصار راعي كلية العلوم في جامعة بغداد صهر الرئيس الضرورة. وتم تعيين رئيس لجامعة عريقة لبنانية كبرى يتألف ملفه الأكاديمي من مقال واحد في صحيفة عربية. بلا بقية. كان هم القادة الجدد خفض مستوى التعلم وإلغاء فكرة التفوق لكي تتساوى الأشياء بالأشياء. وفيما نهضت الأمم في أوروبا وآسيا وأميركا على قاعدة واحدة هي تطوير نظام التعليم، سلمت وزارات «الإرشاد» للضباط والجاويشية. وسلمت الجامعات لـ«الأمن».

رأى مناضلو وأبطال تونس والجزائر والمغرب أن بلدانهم لا تُحرَّر إلا من قبلها. محمد الخامس والحبيب بورقيبة وأحمد بن بللا. ورأى مناضلو الفكر المشرقي أن بلدانهم لا تتحرر إلا من بلدان سواهم، وبلدان جيرانهم، وبعث الفوضى والرعب في كل مكان، وإسدال ستار حديدي أسود على الفكر والثقافة والمعرفة. وإقامة التحالفات مع الديكتاتوريات الخالية من الرحمة والفكر والرؤية والانفتاح.

الأمم المتحدة التي وقف القذافي أمام منبرها يدعو إلى إلغاء شرعتها، مبينًا الطريقة التهريجية، وقف أمامها جابر الأحمد قبل سنوات، يطالب بإلغاء الدول الفقيرة وإعفائها من تسديد القروض وتمويل مؤسسات تساعدها على الخروج من بؤسها. إنه الرجل الذي أطلق عليه صدام حسين لقب «جابر العرب». وفي اليوم التالي، زحف على إحدى أهم تجارب الحكم العربية.

* نقلا عن "الشرق الاوسط"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه