السيسي... بوتين المصري؟

في لقاءه الأخير مع إذاعة بي بي سي البريطانية حاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يوصل وجهة نظره بكل الطرق إلى فريق بي بي سي على أنه رئيس مدني ذو رؤية ومدافع عن الديمقراطية بينما يراه الفريق بوتين المصري وهو ماكتبته ليز دوسيت كبيرة محرري الشؤون الدولية .

وتقول دوسيت منذ اللحظة الأولى، أوضح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أنه يريد وضع الأمور في نصابها.

حتى أثناء تسجيل مقدمة الحوار التليفزيوني، استمع لي وأنا أقول في مواجهة الكاميرا إن لديه "خارطة طريق للديمقراطية" وأن هناك من هم غير مقتنعين.

وسرعان ما تدخل، قائلا "هناك خارطة طريق بالفعل للديمقراطية في مصر".

وعندما بدأت أطرح أول سؤال عن الديمقراطية، أوقفني مجددا وقال بإنجليزية سليمة "من فضلك، دعيني أوضح".

وعندما استكمل دفاعه بالعربية، قال "للمصريين الحق في اختيار قياداتهم بأنفسهم، واختيار طريقة حياتهم. ونحن نحاول أن نحقق ذلك".

كانت بداية مفعمة بالثقة، تناقض حملة معارضة ومقالات في الصحف البريطانية تعتبره ديكتاتورا ما كان ينبغي دعوته لزيارة رسمية.

وقالت الزميلة جيزيل خوري بعد إجرائها مقابلة أخرى مع السيسي لبي بي سي إنه "يبدو كبوتين المصري"، في إشارة إلى أنه رجل قوي يتمتع بشعبية في بلاده، رغم انتقاد الغرب له.

لكن الآراء منقسمة حوله حتى في مصر. إذ يرى البعض أنه القائد الذي تحتاجه مصر لتتقدم الأمة بعد الاضطرابات التي شهدتها في السنوات الأخيرة. وفي حين يخشى آخرون أنه يرجع بالبلاد إلى سنوات مظلمة من الحكم السلطوي.

فإذا كان لدى الرئيس المصري خطة حقيقية لتحقيق المزيد من الحريات الديمقراطية، يبقى السؤال هو كم من الوقت يحتاج لبلوغها؟ وهل تمضي في الاتجاه الصحيح؟

استمر السيسي في تلقي الأسئلة بعد انتهاء الوقت المحدد لي بفترة طويلة. ورغم إشارة مساعديه إلى تأخره عن جدول أعماله، إلا أنه استمر في الحوار، وتحول إلى التحدث بإنجليزية سليمة عقب المقابلة.

 

أشار السيسي إلى أعداد القتلى من جنود الجيش والشرطة ضمن جهود "مكافحة الإرهاب"

ويحاول السيسي في حلته المدنية التأكيد على أنه ليس نفس الرجل العسكري، بنفس العقلية الأمنية، كما ظل طوال فترة خدمته التي استمرت أربعة عقود. وهو حاليا زعيم منتخب يرأس بلدا تبعد تحدياته الأمنية وواقعه الاقتصادي كل البعد عن أوروبا.

وقال "اعطني البيئة المتاحة في أوروبا، ولن نحتاج شيئا من هذا القبيل"، وذلك في دفاعه عن قانون مثير للجدل لمكافحة الإرهاب أدانته على نطاق واسع منظمات حقوقية مصرية ودولية باعتبارأنه "حالة طوارئ دائمة".

وتابع "انظري إلى معاناتنا. انظري إلى الإرهاب الذي نتعامل معه. انظري إلى أعداد رجال الجيش والشرطة الذين قتلهم المتطرفون".

كما يتحدث بنفس الحماس عن "النجاح الغربي المحدود" في مواجهة مسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" الذين يهددون مصر من الداخل، وعبر الحدود من ليبيا المجاورة.

وقال عن الدول الغربية إنها "تستغرق الكثير من الوقت لدراسة الموقف قبل اتخاذ قرار"، في إشارة إلى أنه مع تردد الدول الغربية في سياساتها، تصبح المشكلة أسوأ.

ويكرر السيسي حديثه عن خوف المصريين من انهيار ليبيا، والفوضى في سوريا، وتأثير ذلك على مصر.

ومن الواضح أن الوضع الأمني هو أكثر ما يشغله.

يقبع كثير من شباب ثورة 25 يناير في السجون، في حين أُجبر آخرون على الحياة في المنفى

ويعترف السيسي بأن الأمور لا تسير كما ينبغي حين يتعلق الأمر بالديمقراطية، و"الذي تحقق ربما لا يكون الأفضل، لكننا نسير للأمام، وسنحقق المزيد من التقدم".

ومر المصريون، الذين أذهلوا العالم منذ تظاهرهم بالملايين في مطلع عام 2011، بثلاثة رؤساء وبرلمانين، وثلاثة استفتاءات على الدستور.

وفي أحد أيام شهر أغسطس/ آب 2013، سقط العديد من القتلى في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في فض اعتصام رابعة العدوية، وذلك بعد الإطاحة بالجماعة في ما يعتبره البعض انقلابا، بينما يراه السيسي وآخرون انتفاضة شعبية. ولن تُمحى هذه الوصمة قريبا.

ويتهم بعض النشطاء الشباب السيسي بعدم الوفاء بأهداف ثورتهم. بعض هؤلاء الآن في السجون، في حين أُجبر آخرون على الحياة في منفى خارج البلاد.

وعادة ما يشير السيسي إلى أمنيات شعبه، في الوقت الذي يؤكد أن حقوق الإنسان لا يمكن رؤيتها من "منظور غربي" فقط. وقال "الملايين يعيشون في ظروف مادية صعبة، أليس من الأفضل السؤال عنهم وعن الظروف المعيشية الأفضل التي يمكن توفيرها لهم؟".

كما قال إن الشعب هو من يحدد الدور الذي يمكن أن تلعبه جماعة الإخوان المسلمين، التي تحظرها السلطات المصرية، في المستقبل. وحاليا، أودع عشرات الآلاف في السجون، كما حُكم على المئات بالإعدام، وينتظرون حكما نهائيا ليخرجوا من غياهب النظام القضائي المصري.

 

يطالب السيسي المصريين بالمزيد من الصبر في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية

"المزيد من الصبر"

ويقول دبلوماسيون يتابعون السيسي عن قرب إنه تغير خلال السنوات السابقة، من كونه رجلا عسكريا يعمل في الظل إلى شخص أكثر ثقة وتعودا على الأضواء.

ويذكرني ذلك بعسكريين آخرين أحبوا مميزات السلطة، وقرروا البقاء لأنهم أقنعوا أنفسهم أن الشعب يريد منهم البقاء.

لكن السيسي كان قد أخبر وفدا من البرلمانيين البريطانيين مطلع هذا العام إنه ليس بـ"قائد عربي تقليدي".

وقال في حواره معي "لن يحكم المصريين شخص ضد رغبتهم.. أبدا. الدستور الجديد ينص على أن للرئيس البقاء في منصبه لفترتين فقط".

ومن الواضح أن الرئيس المصري كسب دعم البعض، وإدانة البعض الآخر، وبين الفريقين يقف عموم المصريين الذين يريدون حياة أفضل.

أسعار الطعام تتزايد، وكذلك نسبة البطالة، ويتساءل كثيرون عن الوقت الذي يستغرقه تحسن أوضاعهم.

لكن السيسي يطلب المزيد من الوقت، والمزيد من الصبر.

ومن بين كل تصريحاته، أكد "احكموا على أفعالي"، وهو ما سيفعله المصريون، وقام به بالفعل كثيرون منهم.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه