2015-10-10 

معالي الوزير .. ما تترقع

سعود الريس

حزت في نفسي كثيراً الحملة التي شُنت على وزير الاقتصاد والتخطيط بعد تصريحه المتعلق بنسبة البطالة. لماذا؟ لا أعلم! هل لأنه خفض نسبة البطالة في زمن النبوة؟ فهو اعتبر أنها كانت ستة في المئة، بينما الأدق أنها كانت 6.5 في المئة.. رضي الله عنهم وأرضاهم. وأتفق مع من شن الحملة على الوزير بأن نسبة النصف في المئة ليست بسيطة، لكن الرجل كان يقصد خيراً، ولا يستحق أن تُشن عليه هذه الحملة الشرسة، حتى وإن قال البعض إنه بالغ في التلاعب بنسبة البطالة في المملكة، فلنجد عذراً لأخينا المسلم، ولاسيما أنه ممن درسوا عصر الفتوحات الإسلامية والهجرة والنبوة، وله باع طويلة في الاقتصاد الإسلامي. دعونا نحاول أن نجد معاً معنى تلك النسبة الدنيا التي أقضت مضاجع من سمع بها أو قرأها، فمن الواضح أن وزيرنا المحبوب محسود، وأن هناك من هو متحامل عليه أو على وزارته - على الأقل - فماذا يعني أن تكون نسبة البطالة ستة في المئة؟ ربما الجاسر تعمد إطلاق تلك النسبة من باب الدعابة، وإذا كان كذلك بالفعل، فلا نملك إلا أن نضرب كفاً بكف ونقول لمن «طار بالعجة» فشلتمونا، أهكذا ترد الدعابة؟ أما إذا لم يكن في الموضوع باب دعابة، فقد يكون الجاسر يتحدث عن نسبة الفائدة على سبيل المثال، وبعيداً عن أنها متدهورة فعلاً، لكن من الممكن أن الرجل كان يقصد من الرقم رفع نسبة التفاؤل لدى المواطنين، نقول ربما ولا نجزم، لكن إذا لم تكن نسبة الفائدة، فقد تكون نسبة ما تحقق من إنجازات لخطط التنمية التي يديرها، أيضاً نقول ربما، فأنا هنا أحاول مساعدة الوزير في تجاوز أزمة الستة في المئة بجهد فردي خالص، لا أطلب من ورائه نسبة ولا مبلغاً مقطوعاً. حسناً، إذاً دعونا نواصل، قد تكون نسبة البطالة التي يقصدها الوزير هي بطالة موظفي وزارته، ولا نزكي على الله أحداً، فالرجل أطلق نسبة تحتمل التفسير والتأويل، أو - لربما - هي نسبة ما تم إنجازه من الخطة الجديدة، وهذه أيضاً تحتمل القال والقيل. البطالة 30 في المئة تارة، وأخرى 11، ومرة 12، وأخيراً ستة في المئة، وأقول من عندي إنها واحد في المئة، فالنسبة لا تهم، طالما أن هناك من يبحث ولا يجد وظيفة ولو بدخل متواضع تلبي متطلباته، ومخطئ من يعتقد بأن النسبة التي يفاخر بها الوزراء والقطاعات تهمنا، في الواقع لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد، فإن ارتفعت أو انخفضت فلايزال العاطلون عن العمل لا يجدون وظيفة يقتاتون من ورائها، لذلك فالنسبة هي آخر ما يمكن أن يشدنا، لكن عندما تطلق النسبة لتسطيح القضايا وتعويمها، فهنا نقول: «اثقلوا يا جماعة، ترى الثقل زين». إشكالاتنا ليست في نسب البطالة فحسب، فكل رقم لدينا هو محل شك، حتى في أعمارنا، فإن تسأل أحدهم كم تبلغ من العمر؟ فيأتيك الرد، حوالى الـ40 وهكذا، وربما يجمعك لقاء مع مستثمر في قطاع السفر، على سبيل المثال، فتسأله أين وجهة السياح هذا العام؟ فعلى الفور تأتيك الإجابة، 70 في المئة من السعوديين يتجهون إلى دبي. السؤال، كيف بلغت نسبة الـ70 هذه التي يتشدق بها صاحبنا، بينما مكتب السياحة الذي يملكه لا يبيع أكثر من 100 تذكرة في العام؟ ذلك عن السياحة لكن الأمثلة كثيرة، خذ على سبيل المثال، 90 في المئة من الرجال يفضلون المرأة الطويلة، فتسأل من أين هذه النسبة، طبعاً لا مجيب، أو أن يأتيك أحدهم ويقول إن السعوديين الأكثر إنفاقاً في السفر، و70 في المئة منهم يسكنون فنادق الأربع نجوم، هذه بعض النسب التي تصدر في المقاهي والمجالس، ولا أستبعد أن تصريح الستة في المئة لا يخرج عنها، الإشكال ليس في هذه النسبة ولا في الـ90 ولا في الـ70 في المئة، تلك التي ابتدعناها للتو، الإشكال الحقيقي أنه لا توجد جهة تستطيع تقديم معلومة دقيقة عن الأرقام والإحصاءات، فعلى سبيل المثال خرجت قبل أيام مصلحة الإحصاءات بانتقادات لنسب البطالة التي تروج لها وزارة العمل، ثم ما لبثت الجهتان أن اصطلحتا، فخرجتا ببيان واحد يقدم نسب بطالة متفق عليها، ثم جاء الجاسر فهدم ذلك التوافق، تلك هي إشكالاتنا اليوم، وما لم تصبح لدينا جهة قادرة على الإحصاء في شكل دقيق فستبقى كلمات «نحو» و«حول» و«بحدود» هي المسيطرة على لغتنا، وسنبقى نبتكر أرقاماً ونسباً تتوافق مع الجلسة التي تحيط بنا، وإلى ذلك الوقت أسأل الله ألّا تكون هناك مناسبة قريبة لوزير الاقتصاد، فأخشى ما أخشاه أن يطلق تصريحاً يؤكد فيه أنه لا توجد بطالة في البلد، وأن وزارات الحكومة لديها ست في المئة من الوظائف التي لم تستطع إشغالها بالمواطنين؛ لأنها لم تجد أي مواطن «عطالاً بطالاً» يبحث عن وظيفة.. وحينها ربما يطالب بالاستقدام لشغل تلك الوظائف. أصحاب المعالي والسعادة اعذروني.... «حاولت أرقعها، لكنها ما تترقع». *نقلا عن الحياة اللندنية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه