2016-01-12 

إيران.. إما دولة وإما ولاية

عبد الله بن موسى الطاير

 

 

الرياض-تصريح لوزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير، يخيّر فيه إيران بأن تعايشها مع جيرانها بسلام يتوقف على قرارها؛ فإما أن تكون دولة تلتزم بمسؤوليات الدولة وإما أن تكون ثورة ويُتعامل معها على هذا الأساسوالواقع أن نظام ولاية الفقيه لا يمثل ثورة ولا دولة، فالثورة التي قامت في إيران لم تكن لخلع الشاه واستبداله بنظام أكثر دكتاتورية ويتصرف بأوامر إلهية. الإيرانيون الذين خرجوا للشارع كانوا يأملون في حياة أفضل، في المزيد من الحريات، والشفافية والحق والعدل، كانوا يتطلعون لبناء إيران غير التي هي عليه الآن وإلى المزيد من الرفاهيةانقضاض ولاية الفقيه على الثورة وقطف ثمارها وتحويل إيران إلى دولة دكتاتورية برأسين، أحدهما كالح يطل على الإيرانيين وعلى الجيران ويتمثل في الحرس الثوري، وتصدير ولاية الفقيه، والآخر مدني يدغدغ مشاعر الدول الديمقراطية ويأتي بالانتخابات ومؤسسات الدولة.

 

فالنظام الإيراني له رئيس منتخب وفق شروط المرشد العام للثورة، وبموافقته على الترشح بداية، وبرلمان يهيمن عليه التيار الديني الثوري ولا يرأسه سوى شخص من الإيديولوجية نفسها، ونظام قضائي يحكم وفق توجيه المرشد الذي يعيّن ويعزل قياداته. هذه المكونات الثلاثة للسلطة؛ تنفيذية وتشريعية وقضائية هي في واقع الأمر تحت قيادة رجل واحد هو المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، وبذلك يكون ادعاء فصل السلطات، واحتفالية الانتخابات مجرد ملهاة كبرى لم تنطل على الشعب الإيراني المغلوب على أمره، ولكنها وجدت لها حيزا من القبول في الأوساط الغربية والأميركية تحديداالمرشد الاعلى للثورة الإيرانية هو الحاكم بأمر الله، وهو المسؤول عن رسم والإشراف على السياسات العامة لإيران، ويحدد توجهاتها الداخلية والخارجية. وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة ويسيطر على الاستخبارات والأمن. ووحده الذي يعلن الحرب أو السلام، وله سلطة تعيين وإقالة قادة السلطة القضائية، ومسؤولي شبكات الإذاعة والتلفزيون، ويعين القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري. وهو الذي يعين أيضا ستة من اثني عشر عضوا لمجلس صيانة الدستور، وهي الهيئة القوية التي تشرف على أنشطة البرلمان وتحدد مدى أهلية المرشحين لشغل المناصب العامة. وتمتد أذرعة المرشد الأعلى من خلال ممثليه الذين يقدر عددهم بنحو 2000 ممثل موزعين على جميع قطاعات الحكومة وهم نشطاء مؤدلجون يؤمنون بمعصومية ولي الفقيهوفي بعض الأحيان يكون ممثل المرشد الأعلى أقوى من وزراء رئيس الدولة المنتخب، وللوكيل سلطة التدخل في أي مسألة نيابة عن المرشد الأعلى.

 

وتحت يد وقرار المرشد الأعلى للثورة وولي الفقيه ما يسمونه البونياد/البونيادات وهي هيئة اقتصادية ضخمة تُشغّل مئات الشركات وتقدر ثروتها بما يصل الى 40% من الناتج المحلي، وتأسست بعد الثورة مباشرة مستولية على مليارات الدولارات من أصول العائلة المالكة السابقة، ومن البنوك، ومن أملاك (المرتدين)، والمؤسسات التابعة لها معفاة من الضرائب وتشارك في أنشطة واسعة في التجارة والخدمات الاجتماعية والشؤون الثقافية. وهي من أكبر المنشآت الاقتصادية في الشرق الأوسط. ويقوم عليها إقطاعيون من رجال الدين الأقوياء. وأصبحت وسيلة لترهيب وترغيب التجار بدفع الأموال لها. وكل مدينة رئيسة يوجد بها بونيادات مرتبطة بمعممين محليين.

وينقل لمجلة فوربس اقتصاديون إيرانيون شكوى ملاك المؤسسات الصغيرة الناجحة حيث يزورهم كبار المعممين ويطلبون منهم التبرع لأعمال الخير المرتبطة بالمرشد الأعلى فإن رفض أحدهم التبرع فإنه يتهم في دينه ويؤتى بشهود زور على إهانته الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يرمى في السجنوتدعم الأجهزة التابعة للمرشد آلاف الغوغاء الذين يستقلون الباصات لإحياء المظاهرات الدينية وتلك التي تخدم توجهات المرشد السياسية وقراراته الاجتماعية، كما يدعم من يسميهم الإيرانيون "بلطجية" حزب الله في الداخل الإيراني وخارجه.

وفي إيران وتحت ولاية الفقيه فإن: "المال هو السلطة، والملالي.. يسيطرون على كل الأجزاء المهمّة في الاقتصاد الإيراني"، وفقا للباحث الفرنسي تييري كوفيل. ويورد الصحفي "أندرو هيغنز" شهادة لاقتصادي إيراني يدعى سعيد ليلاز، درس في المؤسسة الدينية الإيرانية في مدينة مشهد يقارن فيها وضع نظام ولاية الفقيه في إيران بما كانت عليه أوروبا في القرون الوسطى "حيث أتاحت ثروة الكنيسة الكاثوليكية للباباوات والكرادلة أن ينافسوا الملوك وأن يتفوّقوا عليهم أحياناً". مضيفا بأن "الدين والاقتصاد يتعايشان معاً في كل مكان" في إيران، وبدون المال، فإن آيات الله يتحوّلون إلى "مجرّد نسّاك". سيطرة نظام ولاية الفقيه على مفاصل الدولة في إيران هي التي تؤدي إلى عدم قدرة إيران على الالتزام بالمواثيق الدولية ومن ضمنها عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وحماية البعثات الأجنبية. فعندما اقتحم الشباب الإيراني عام 1979م -عقب الثورة- السفارة الأميركية واحتجز 52 مواطنا أميركيا لمدة 444 يوما، غضبت الحكومة، ولكن الخميني بارك فعل الشباب، ولما أحرقت السفارة السعودية في طهران واعتدي على القنصلية في مشهد، غضب رئيس الدولة وبارك المرشد ذلك.

 

وستبقى إيران هكذا، ينعكس صراعها الداخلي على علاقاتها الخارجية. وحتى يستقر وضع إيران وتستقيم علاقاتها مع جيرانها والعالم فعليها أن تتحول إلى دولة وأن يزاح حكم ولاية الفقيه من المشهد. أما أن تكون دولة وثورة وولاية فقيه في آن فإن ذلك لايعني سوى المزيد من الدمار، والحروب الطائفية في المنطقة والعزلة الدولية لإيران.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه