2016-01-14 

متى نبدأ في النيويورك تايمز

جمعان الغامدي

 

العرب - هل بدأت إيران في استغلال الإعلام الغربي لترويج وجهة نظرها حيال قضايا معيّنة، أو أن الإعلام الغربي هو من يحاول استغلال شخصيات إيرانية بعينها للحديث عن وقائع معينة؟ أيا كانت الإجابة، فالملاحظة التي سجلتها الصحيفة على المقال بأنه مساهمة من الكاتب تخرجها من أي أزمة محتملة. كما أن الذي يلاحظه القارئ هو سلسلة المقالات الدعائية التي يكتبها، أو فلنقل، التي تنشرها النيويورك تايمز الأميركية باسم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. في المقال الأخير الذي نشرته الصحيفة في العاشر من يناير الجاري تعامل مقال ظريف مع عدد من القضايا بشكل استخدم فيه المغالطات والأكاذيب لتشويه الصورة السعودية، في مقابل تلميع وتطهير الصورة الإيرانية من الشوائب التي تشوهها، والتي نعرف نحن أنها ليست شوائب، بل حقائق تؤكدها الوقائع على الأرض وتتفق مع أهداف ثورة الخميني.

 

بدأ مقاله بالحديث عن الاتفاق النووي الإيراني والذي اعتبره مدخلا لحديثه عن السلام وما أسماه بـ”الإيرانوفوبيا” متناسيا أن مشكلة السعودية ليست مع النووي الإيراني بل مع النوايا الإيرانية وعدم الثقة في نظام الحكم الإيراني الذي يعتمد الخداع والمناورة حسب تاريخه المعروف. ثم يتحدث عن مبادرة روحاني المعنونة “العالم ضد العنف والتطرف” وعن حصولها على الموافقة بالإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكلمة الإجماع تعني ببساطة أن السعودية إحدى تلك الدول التي وافقت عليها. إلا أنه في العبارة التالية يلمح إلى أن بعض الدول وقفت دون المشاركة البناءة، فهل كان يتوقع من تلك الدول مثلا ألا تعتبر حزب الله الإيراني منظمة إرهابية؟

ثم تحدّث عن دعم الإرهاب واتهم السعودية به مستدلا على اتهامه بإعدام السعودية لـ47 إرهابيا، وكأن إيران لم تعدم 150 ألفا منذ بداية الثورة أي بمعدل اثنا عشر فردا يومياً لمدة سبعا وثلاثين عاما متتالية. وبالطبع لم يكن كل هؤلاء إرهابيون بل إن الأغلبية الساحقة من معتقلي الرأي. ثم انتقل إلى حرب اليمن ووصفها بأنها حرب تهدف إلى تكريس حالة عدم الاستقرار الإقليمي لعرقلة ما وصفه بـ”الاتفاق النووي” ووصف هذه الحرب بأنها دعم للتطرف، هذا التطرف المقصود به هو الحكومة اليمنية الشرعية وليس الحوثيين. أما ما ذكره بشأن إدانة رأس الحكومة الإيرانية للاعتداء على السفارة والقنصلية السعودية، واتخاذه لما وصفه بالتدابير اللازمة لإعادة الأمن للمجمع الدبلوماسي السعودي، فليس أسهل من الرد عليه بتأريخ الأحداث منذ بداية التظاهر ثم الاقتحام ثم التخريب دون أن تتحرك طهران لمنع أي منها من الحدوث رغم الطلب السعودي المبكر للتدخل. ثم إن ما وصفه بالإجراءات التأديبية، إن صدق وصدقوا، فقد تمت بعد قطع العلاقات وليس قبلها.

انتقل ظريف بعدها إلى اتهام السعودية بأنها اعتدت على سفاراتها في اليمن ولبنان وباكستان وتسبّبت في مقتل بعض الدبلوماسيين الإيرانيين كما تسببت بمقتل 464 حاجا إيرانيا في حادثة التدافع الأخيرة في منى. الحقيقة أن هذه الاتهامات لا تستحق سوى الابتسام أمام ما تثيره من سخرية بمدعيها لأنني لا أستطيع أن أتصور أن السعودية يمكنها أن ترتكب تلك الجرائم كما تفعل دولة العصابات الفارسية.

ثم عاد مرة أخرى إلى الإعدامات وذكر إعدام نمر النمر الذي وصفه بأنه داعية سلم وأن قتله إنما استجابة لخطبة حدثت قبل عام في الحرم. لم نعرف عن النمر إلا اشتراكه في عمليات ضد الأمن أدت إلى مقتل عدد من رجال الأمن، كما نعرف أن خطباء المسجدين الحرام لا يتعرضان لمثل مقالته تلك. من الواضح أن لظريف رؤية خاصة في آياته وشيوخه ورجاله المنتشرين في كل مكان، فكلما اقترب أحدهم من الإرهاب كلما زادت قيمته وارتفعت منزلته لديه. طبعا شفويا. وأشار إلى أن إيران تحتفظ ببرودها وعدم ردها على السعودية ولم تقم بقطع العلاقات أو بأي تخفيض في العلاقات الدبلوماسية وأن هذا بسبب ثقتها في قوتها ولكن الحكمة لا تستمر من جانب واحد.

 

يبدو أن منهج المغالطات من ظريف مستمر، الحقيقة أن السعودية عاملت كل التجاوزات الإيرانية بالحكمة واستمرت كذلك لسنوات طويلة، وهذا ليس خشية من النمر الفارسي الورقي بل نتيجة للثقة في قوتها هي، وحينما بلغ الأمر مداه في التدخلات الإيرانية غير المحسوبة قامت المملكة بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وهو أقل ما يجب فعله. وإذا كان ظريف في آخر مقاله قد طالب القيادة السعودية إما أن تدعم المتطرفين أو تساهم في استقرار المنطقة، وأمله في أن يتغلّب العقل، فالحق أن هذا هو خيار المملكة الذي طرحته أمام الحكومة الإيرانية وهي التي عليها أن تختار ما بين الاستمرار في دعمها لحركات التطرف الطائفي كحزب الله والحوثيين وداعش وغيرهم من التنظيمات العاملة في سوريا والعراق واليمن أو أن تساهم في استقرار المنطقة، وهو خيار صعب للغاية على طهران أن تتخذه لأن هذا يعاكس الأسس التي قامت عليها ثورتها والتي تعيش بها حتى الآن، وتعمل على أساسها وتقيم علاقاتها مع دول الجوار بناء عليها.

ولعل لنا في الحادثة الأخيرة مع طاجيكستان مثال جيد لطبيعة هذه العلاقات مع دول الجوار، حيث استدعت إيران أحد أفراد الطائفة الشيعية في طاجيكستان والتقى بخامنئي مما أثار دولته التي خاطبت السفير الإيراني وقدمت مذكرة احتجاج على هذا التدخل السافر في الشأن الطاجيكي، كما أدى ذلك إلى أن تقوم طاجيكستان بإعادة النظر بل وإيقاف إرسالهم للدراسة في إيران خوفا من عمليات غسل أدمغتهم، مما يؤدي إلى ظهور الإرهاب في المجتمع الطاجيكي المسالم.

 

إذا كان هذا هو الحال الإيراني، بل وإذا كان حالها أسوأ من ذلك، فما الحكمة من نشر مثل ذلك المقال في صحيفة كنيويورك تايمز إذن؟ من وجهة نظري الشخصية، أرى أنها مجرد محاولة من وزارة الخارجية الإيرانية لتحسين صورتها التي تم تشويهها بواسطة الحرس الثوري الذي قام باقتحام السفارة والقنصلية، وأن المقال ورغم احتوائه على معلومات غير صحيحة على الإطلاق، فقد حظي بنحو 400 تعليق يدل أغلبها على سطحية غير معقولة لدى المتلقي الغربي. مما يعني، بكل بساطة، أن الخارجية الإيرانية تسعى إلى خلق رأي عام غربي يغض الطرف عن مساوئها ودعمها للتطرف، وهو ما يتطلب من خارجيتنا الموقرة ووزيرها أن يكتب في نفس الصحيفة أو ما يعادلها بما يرد على المذكور ويلجمه تماما. فالحاجة إلى ذلك ماسة.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه