2016-01-19 

إيران بعد طي العداء مع أميركا.. من هو العدو البديل

علي الأمين

العرب - في خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أيام، أعلن بوضوح أنّ الخطر الرئيسي في عالم اليوم لم يعد “إمبراطوريات الشرّ” وإنّما “الدول الفاشلة”. وهذا إعلان إنهاء أو “طيّ صفحة” رسميّ وأخير لأيديولوجيا اليمين المحافظ الأميركي و”المحافظين الجدد” بعد حقبة العداء لـ”محور الشرّ”. وهو أيضاً إعلان صريح لنجاح سياسة أوباما الخارجية التي أكّدت التزامها بعدم الانخراط البريّ في أيّ قتال خارج حدود الولايات المتحدة. وهو قد طمأن الأميركيين إلى أنّ العالم يتوجه إلى واشنطن لطلب المساعدة وليس إلى موسكو ولا إلى بكين.

 

هذا الخطاب، جاء قبل يوميْن من دخول قرار رفع العقوبات عن إيران حيز التنفيذ، كنتيجة لإنجاز الاتفاق النووي والتزام إيران به. وبموجب قرار رفع العقوبات ستحصل إيران على نحو خمسين مليار دولار من العائدات النفطية الراجعة إليها، والمجمّدة حاليا في البنوك الأجنبيةفي الوقت نفسه، أكّد وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أنّ إيران التزمت بالمسؤوليات التي نص عليها الاتفاق النووي مع دول 5+1، ضمن جهود دبلوماسية حثيثة أوصلت إلى رفع الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.

 

الاتفاق، الذي عكس مسار التقارب بين طهران وواشنطن، يطرح مع بدء تنفيذه تساؤلات جدية حول انعكاسه على الموقع الأميركي في الشرق الأوسط، ومستقبل العلاقات بين واشنطن وحلفائها التقليديين، السعودية وتركيا وإسرائيلفي أول تعليق له بعد سريان تنفيذ بند رفع العقوبات من الاتفاق النووي، قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قبل يومين إنّ بلاده لا تشكل أي تهديد لأي شعب أو حكومة. ولفت إلى أنّ إيران تمدّ يد صداقتها إلى الجميع. طمأنة روحاني دول المنطقة لا تخفّف من حدّة التوترات أو المواجهات التي تخوضها إيران في أكثر من دولة عربية. ذلك أنّ تطوّر الاتفاق الإيراني – الأميركي كان يتلازم مع توحيد النظرة بين الطرفين تجاه “العدوّ”. فالرسائل الإيرانية إلى الولايات المتحدة الأميركية، سواء من خلال الرسائل الرسمية أو من خلال مخاطبة المسؤولين الإيرانيين الرأي العام الأميركي، ركّزت في السنتين الأخيرتين على أنّ الإرهاب هو عدوّنا وعدوّكم وعدوّ الإنسانية.

 

وكما أنّ الولايات المتحدة الأميركية وضعت أولوية مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سياستها الخارجية، بدت إيران معنية أمام أزمة هضم العلاقة الإيجابية مع “الشيطان الأكبر”، بإيجاد البديل. فكان الإرهاب التكفيري. وبغضّ النظر عما إذا كان لإيران دور في وجود داعش أو لم يكن لها أيّ دور، فالثابت أنّه لم يكن ممكنا انخراطها في أيّ علاقة مع واشنطن، لو لم يكن هناك عدو مشترك مثل داعش، يستطيع أنّ يغطي عملية التحول النوعي في العلاقة مع واشنطن. مع التأكيد أنّ إيران، منذ وصول حسن روحاني إلى رئاسة الجمهورية، كانت قد اتخذت قرارا قوميا بالانفتاح على واشنطن والدول الغربية عموما، انسجاما مع المزاج الإيراني الشعبي العام. وبعدما لمست أنّ العقوبات باتت تهدد استقرار الدولة ونظامها، تطلّب مسوّغ المصالحة عدوّا جديدا يملأ الفراغ الذي يحدثه تحوّل “الشيطان الأكبر” إلى مشروع صديق وحليف.

 

تدرك القيادة الإيرانية أنّ العدو البديل لا يمكن أن يكون الكيان الصهيوني، فالطريق إلى واشنطن إن كان لا يمر من تل أبيب، فهو بالتأكيد لا يمكن أن يمر من تصعيد العداء مع إسرائيل. لذا، يمكن ملاحظة أنّ كل الرسائل الإيرانية السياسية والإعلامية إلى واشنطن، خلال السنتين الأخيرتين، لم تتورط ولا مرّة في إظهار عدائها لإسرائيل، بقدر إظهار مخاطر “الإرهاب الإسلامي السنّي” الذي تمثّله داعش، أو السعودية “التي تدعم الإرهاب في المنطقة”.

 

في المقابل، واشنطن لا “تنسحب” من الشرق الأوسط، بقدر ما تعيد “ترتيب” هذا الشرق الأوسط. فإدارة أوباما غير معنية برسم نظام تفصيلي للمنطقة. بل هي انقلبت على سياسة إدارة جورج بوش، التي صنّفت الدول على أساس “محور الشرّ” و”محور الخير” غير المعلن. وتلك الإدارة احتلّت العراق من أجل “بناء نظام ديمقراطي”، وفشلت.

 

أوباما فرض تغييرا جديدا عنوانه عدم التورط المباشر في تفاصيل نظام المنطقة. هذا التغيير الأميركي أحدث فراغات، وتغييرا في علاقات أميركا مع خصومها وحلفائها. هكذا يمكن ملاحظة التعامل الأميركي مع الدخول الروسي إلى سوريا عسكريا، ما دام لا يتجاوز المنطقة الحمراء المتمثلة بالمصالح الإسرائيلية. وبما أنّ الأميركيين باتوا مقتنعين، بعد تجربة التغيير في العراق العام 2003، بضرورة عدم إسقاط الدولة، فقد برز الانسجام مع الموقف الروسي تجاه أهمية عدم سقوط الدولة السورية بمؤسساتها وجيشها.

 

هذا التقارب مع روسيا وإيران قابله تغيير في العلاقة الأميركية السعودية. يكفي أنّه في لحظة التوتر السعودي الإيراني، بعد الإعدامات الأخيرة في السعودية وحرق السفارة السعودية في طهران، أن تكون ردة فعل واشنطن الدعوة إلى ضبط النفس. فواشنطن ساوت بين من يُفترض أنّه حليف، أي السعودية، ومن كان هو العدو، أي إيران. هذا يظهر بوضوح أنّ العلاقة الأميركية السعودية لم تعد كما كانت، وثمة في واشنطن أصوات عدّة ترتفع ضدّ المملكة السعودية إلى درجة أنّ ما ينشر، بحسب خبير أميركي، من مقالات في الصحف الأميركية ضدّ السعودية ونظامها هذه الأيام، لم يحصل حتّى غداة أحداث 11 سبتمبر.

 

ما يمكن الخلوص إليه بعد رفع العقوبات الأميركية عن إيران، هو أنّ مساحة تعزيز أواصر العلاقة بين الدولتين تتطلب من إيران المزيد من تفعيل التعاون على صعيد مواجهة الإرهاب. وهذه السياسة تتطلب استثمار إيران هذه المواجهة من أجل تثبيت نفوذها في المنطقة العربية. فبعد أن كان هذا النفوذ يُنظرُ إليه أميركيا باعتباره صادرا عن “محور الشرّ”، أو تصرفا يصدر من “دولة مارقة”، بات اليوم دورا مقبولا وضروريا في الحسابات الأميركية. ومع الاعتراف الأميركي بالدور الإيراني ستوجّه إيران رسائل قوية إلى خصومها، وتحديدا السعودية، في المنطقة، عبر أذرعها.

 

وأبرز الأذرع حزب الله في لبنان، في كلّ سلوكه السياسي، الذي يعمل على تأكيد أنّه الآمر الناهي في لبنان. وما رفض مبادرة الرئيس سعد الحريري ترشيح الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وإخلاء سبيل ميشال سماحة، إلا رسالتان في صندوق بريد واحد، مفادهما أنّ “لبنان لنا” و”نحن الذين نقرّر”. والرسالة تقول أيضا إنّنا “كنا القوة الحاسمة” في مرحلة الخلاف الإيراني مع أميركا، فماذا تنتظرون أن نكون في لحظة التوافق الإيراني – الأميركي؟

 

الثابت أنّ إيران تستعدّ لتوجيه المزيد من الرسائل القوية إلى السعودية. ليست رسائل مباشرة، فالرئيس حسن روحاني يطلق كلاما للتطمين، لكن ذلك لن يحول دون أن تتحرك أذرع إيران في المنطقة، هذه المرة من دون حذر، في العراق واليمن وحتّى في سوريا، وربما داخل السعودية نفسها.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه