2016-01-22 

تونس: ثورة الشباب وإنقلاب الكهنة

من تونس, نبيل أحمدي

كعادته أقبل شهر يناير على تونس, مخضبا بجراح الامس ومثقلا بعبىء غد لا يلوح افضل من اليوم. أطفأت تونس شمعة ثورتها الخامسة بنفس المطالب التي كسر لأجلها التونسيون جدار الصمت واسقطوا لأجلها صنما ما كان يصغي يوما لأنين شعبه الجائع حرية وخبزا وكرامة. والكرامة عند التونسي معنى بسيط شغل وحياة كريمة معنى لا يبدو بأنه تناهى الى مسامع شيوخ السلطة ولا هي استوعبته فظل الحال على ماهو عليه. خمس سنوات و " أهل الكهف"  في كهفهم  وولاة الامر راقهم المستقر.  

 

تحامل التونسيون على انفسهم في ذكرى هروب المخلوع وخرجوا يستذكرون فوزهم ويشعلون في نار ثورتهم بعضا من الامل لعلها تنير دربهم الموحش فلا انيس لهم في ظل اقتصاد منهار وأمام غول الارهاب الذي يقض مضجعهم في كل حين غير صوت الحرية الذي إفتكوه غصبا. خرج شباب القصرين أفقر محافظات تونس وأكثرها تهميشا بعد أيام من الذكرى الخامسة للثورة مطالبين بقطع دابر المحسوبية والفساد في إسناد الوظائف وبنزر قليل من وعود ملوا سماعها. وبغض النظر عن أحداث الفوضى التي تبعت هذا التحرك والذي لا يمس من شرعية مطالب الثائرين على الفقر والظلم فإن رقعة التباين والشرخ  إتسعت  بين شباب صنع ثورته وكهنة انقلبوا عليها.

 

فخمس سنوات من الأمل والصبر لم تحرك في واقع التونسيين شيئا نفس الوجوه الشاحبة تطل عليهم كل يوم تبعث في نفوسهم اليأس باسطوانة مشروخة تتغنى بالديمقراطية وتحقنهم بعبارات الصبر الذي قتلوه  في نفوسهم من كثرة تكرار نفس الوعود.  خمس سنوات تداول فيها على الحكم في تونس 4 حكومات واجريت خلالها الانتخابات البرلمانية لمرتين وانتخب فيها رئيسان للجمهورية  وتم خلالها المصادقة على دستور جديد وفازت فيها تونس بجائزة نوبل للسلام . الوضع هنا في جانبه الديمقراطي يبعث على التفاؤل لكن  هذا الوقع الجميل يخفي وراءه  نظاما كهنوتيا  لم يخرج البلاد من مأزق المحاصصة الحزبية والمصالح الضيقة.

 

يتندر التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي بتحويل صورة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي باستعمال الفوتشوب الى صورة الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي  في دلالة على ان الكهلين صورتان لوجه واحد لم يتغير معهما  حال التونسيون. ورغم اختلاف المرجعيات التاريخية والسياسية بين حزب صاحب الفك الجميل المصنوع  حديثا وحزب تلميذ الرئيس الاول للبلاد  الحبيب بورقيبة ومقلده في سكناته وحركاته والذي وصلا بهما الى التقاذف بأبشع النعوت والتهم إلا ان لعبة الانتخابات جعلت من أعداء الأمس مؤلفين لكتاب تونس ما بعد الثورة تأتمر البلاد بأمرهما ويصام عن الكلام بإشارة منهما.

 

اتصاليا لا يمكن لشيخين يحكمان بلدا من وراء الستار ويعجزان في الان ذاته على فتح حساب فايسبوك على فهم واستيعاب طموحات ومطالب شعب اكثر من ثلث ارباعه من الشباب وهو ما ظهر جليا في السياسة الترقيعية المتخبطة التي ما ان تحل معضلة حتى تكون زيتا على نار أخرى . وعلى أرض الواقع لا يمكن لتحالف الشيخين " المصطنع" والبرغماتي أن يحول  حاضر تونس البائس الى مستقبل افضل ولا أن يبسط جبال الصعوبات الاقتصادية والامنية أمام قطار التنمية المتوقف اصلا .

 

فالكهل البورقيبي يعي جيدا ان بقاءه في السلطة هو رهين تحالفه مع ثاني قوة انتخابية في تونس والشيخ "المنظر" يدير بدهاء  كبير المعركة الاخيرة في صراعه مع جلاده في الامس القريب  ليمسح فيه خيبات الماضي وليشكل بتحالفه معه صورة مشوهة عن التسامح والمصالحة وليضمن لنفسه دائما مكانا في سدة الحكم يتغير حجمه حسب تطورات البلاد. وبين هذه المصالح الكهنوتية تضيع احلام أجيال من الشباب وتذهب أصواتهم أدراج الرياح. وضع إذا إستمر على حاله ستكون عواقبه زلزالا مطلبيا شبابيا يقضي على أخر قلاع الكهنة.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه