2016-01-28 

الإخوان المسلمون: أوهام وألغام

جمعان الغامدي

 

العرب - هل لا يزال الإخوان المسلمون يعتقدون أن مصر لا تصلح إلا بهم؟ أعتقد أن ذلك هو لسان حالهم، خاصة أن الرد الإخواني على نصيحة الرئيس عبدالفتاح السيسي يدل على ذلك. مصر التي تحولت حسب مقولة السيسي من “وطن لجماعة إلى وطن للجميع”، والتي تمكنت خلال عاميْن من التحول من دولة تعادي الشعب وكافة مؤسسات الدولة إلى دولة تحترم خيارات الشعب وتسعى إلى تحقيق آماله “وتضمن مناخا إيجابيا لعمل قطاعات ومؤسسات الدولة”.

 

هذا ممّا جاء في خطاب السيسي للأمة المصرية بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة يناير، والذي ذكر فيه أن انحراف الثورة عن مسارها لم يكن بأيدي أبنائها الأوفياء بل ممن نسبوها لأنفسهم عنوة، وهو يقصد الإخوان المسلمين، والذين استغلوا “الزخم الذي أحدثته لتحقيق مآرب شخصية ومصالح ضيّقة”. وهي مصالح رأى فيها السيسي أنها تنفي عن مصر اعتدالها وسماحتها المعروفة عنها حتى جاء 30 يونيو “لتستعيد إرادة الشعب الحرة وتواصل تحقيق آماله المشروعة وطموحاته المستحقة”.

 

ذكر السيسي أيضا أن الدولة المصرية تسعى لتحقيق توازن بين الحقوق والحريات من ناحية، والتحول إلى الفوضى الهدامة من ناحية أخرى. ثم تحدث الرئيس المصري عن الإنجازات التي حققتها مصر خلال الأعوام السابقة ومنها “الاستحقاق الثالث لخارطة المستقبل التي توافقت عليها القوى الوطنية”. ثم انتقل إلى التأكيد على أن مصر اليوم ليست مصر الأمس وأنهم يشيّدون معا “دولة مدنية حديثة متطورة تُعلي قيم الديمقراطية والحرية”، وأن الدولة المصرية “تبذل كافة الجهود اللازمة لمحاربة الفساد والقضاء عليه”.

 

لمتطلع للخطاب الرئاسي في هذه المناسبة والرسائل التي احتواها، والموجهة للشعب أولا، ثم لمن يهمه أمر مصر ثانيا، سيجد أن الدولة المصرية تسير باتجاه جيد رغم الصعوبات التي تواجهها والأخطار الإرهابية التي تحاربها في مختلف أرجاء الجمهورية، وأن الخطاب الرئاسي أصاب كبد الحقيقة وهو يتحدث عن التنمية. إضافة إلى ما تم كشفه من وثائق تبيّن محاولات أخونة الدولة، والخطط الإخوانية لإنشاء جيش يتبع الجماعة لا الدولة، إضافة إلى جهاز أمن سري خاص بها من أنصارها، وفصل بعض ضباط الداخلية وتعيين آخرين ممّن يمكن شراء ولائهم لصالحها. هذا عدا ما تم كشفه من خطط لقطع الطريق على الشرطة، أو تحجيم دور أندية القضاة، أو عزل المشير الطنطاوي، وكذلك تحصين الرئيس من العزل والمحاكمة.

 

إلا أن الرد الإخواني على تحذيرات الرئيس السيسي لتونس جاء لافتا للانتباه، فهم لا زالوا يعتقدون أن السيسي قد دمّر مصر ووجهها الحضاري، وأنه أدخل الدولة المصرية في نفق مظلم. ربما أن هذا يعود إلى رغبتهم في تخفيف الألم الناتج عن سقوط مرسي وبالتالي سقوط الحلم الإخواني في مصر. الفهم الإخواني القاصر للسياسة جعلهم في إطار موقفهم المضاد من كل “لا إخواني”، ينشئون صحفا إلكترونية في أوروبا والولايات المتحدة ويقومون باستقطاب كتاب سعوديين ينتقدون سياسة السعودية ومصر ويروّجون للأكاذيب ضد الدول الثلاث: السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة بوصفها الدول الأشد شراسة في رفض الإخوان. إضافة إلى بعض الأسماء الأكاديمية التي تعمل على التحليل والقراءة لما يصب في مصلحة الجماعة والدول التي تدعمها أو تحكمها الجماعة أو تشارك في حكمها، مما يعني أن الهدف هو تشويه الخطاب السائد للدولة الأم لصالح الجماعة.

 

ما يؤكد ذلك هو الدعوة التي صدرت من القرضاوي لإجراء انتخابات شاملة لمؤسسات جماعة الإخوان في الداخل والخارج المصري. وتهدف الدعوة إلى تعزيز الثقة في قيادات الجماعة بعدما مرت به الأخيرة خلال الشهور القليلة الماضية. كما أشار بيان الجماعة الذي أصدرته عقب دعوة القرضاوي بأنها ستعمل “من أجل سلامتها وسلامة صفنا ونذود عنها وندفع بالغالي والثمين ثمنا للحق الذي تسعى له الجماعة”. هذا الحق هو حكم مصر والعالم الإسلامي، وهو الذي جعلهم ينحنون أمام الفرس ويستجيبون لخطواتهم في العالم الإسلامي، وهو الذي جعلهم كذلك يستغلون بل ويشجعون ما يسمّى بالـ”الخريف” العربي.

 

قد لا تكون مصر قد وصلت إلى ما نأمله منها كعرب ولكننا نعلم أن ذلك نتيجة للعقبات التي خلفها حكم الإخوان لسنة واحدة فقط. فالتنظيمات الإرهابية في سيناء وغيرها من المناطق المصرية هي الذراع العسكرية للإخوان، إضافة إلى أن بعض التنظيمات هي صنيعة إخوانية بامتياز. ومن المعروف أن مثل تلك التنظيمات تكون سببا في انحدار الدولة وتشتيت تركيزها وعدم قدرتها على السير إلى الأمام، فإذا كانت مصر قد حققت تقدما نحو تحويل الدولة من “وطن لجماعة إلى وطن للجميع” فهذا معناه وبكل بساطة أن الدولة المصرية نجحت بشكل فريد في تجاوز الأزمة التي خلفها الإخوان في الشارع المصري، وأن ذلك هو خطوة إيجابية نحو الأمام وأن الخطوات القادمة، وإن كانت تحتاج إلى الصبر، هي الأهم بكل تأكيد. خاصة أن مصر تتعرض، ليس لتلك التنظيمات فقط، بل لهجوم دولي واسع النطاق، ولا يعني الدعم الأميركي للحكومة المصرية عدم وجود ذلك الهجوم.

 

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه