2016-02-10 

دولة السعادة

الحبيب الأسود

العرب - لا يزال الإنسان منذ بدايات نشأته الأولى في صراع دائم من أجل تحقيق السعادة التي يفسرها البعض بالاكتفاء المادي، والبعض الآخر بالاستقرار النفسي والروحي، وربما بالنجاح والفلاح أو بامتلاك مفاتيح اليقين، أو بتحقيق أي هدف بعد مكابدة التعب في طريق الوصول إليه.

 

والتفسير العلمي الشائع عالميا للسعادة هو أنها شعور بالبهجة والاستمتاع منصهرين سويا، والشعور بالشيء أو الإحساس به هو شيء يتعدى بل ويسمو على مجرد الخوض في تجربة تعكس ذلك الشعور على الشخص، وإنما هي حالة تجعل الشخص يحكم على حياته بأنها حياة جميلة ومستقرة خالية من الآلام والضغوط على الأقل من وجهة نظره.

 

وبحسب الأديب‏ ‏والروائي‏ ‏العالمي‏ ‏تولستوي‏ فإن السعادة‏ ‏هي‏ ‏أن‏ ‏تملك‏ ‏ثلاثة‏ ‏أشياء‏: ‏شيء‏ ‏تعمله‏ ‏وشيء‏ ‏تحبه‏ ‏وشيء‏ ‏تطمح‏ ‏إليه‏، وهذا ليس بعيدا عن رؤية المهاتما غاندي الذي يرى أن السعادة هي‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏ما‏ ‏تفكر‏ ‏فيه‏ ‏وما‏ ‏تقوله‏ ‏وما‏ ‏تفعله‏ ‏منسجما‏، فإذا‏ ‏توافقت‏ ‏أفكارك‏ ‏مع‏ ‏أفعالك‏ ‏فإن‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏السعادة‏ ‏الحقيقية‏.‏

 

وأما الروائي‏ ‏الأميركي‏ ‏واين‏ ‏داير‏ ‏فيشير إلى أن السعادة‏ ‏هي‏ ‏شيء‏ ‏نابع‏ ‏منك‏ ‏ونتيجة‏ ‏لطريقتك‏ ‏في‏ ‏التفكير‏، و‏أن‏ ‏كل‏ ‏شخص‏ ‏بداخله‏ ‏مفاتيح‏ ‏سعادته‏ ‏وعليه‏ ‏أن‏ ‏يبحث‏ ‏عنها‏ ‏جيدا‏ ‏وألا‏ ‏يضيّع‏ ‏من‏ ‏عمره‏ ‏الكثير‏ ‏من‏ ‏الوقت، بينما عرّف ‏الفيلسوف‏ ‏أرسطو‏ ‏السعادة‏ ‏بأنها المعنى ‏‏والغرض‏ ‏من‏ ‏الحياة‏ ‏والهدف‏ ‏الكامل‏ ‏ونهاية‏ ‏الوجود‏ ‏الإنساني‏ و‏تكمن‏ ‏في‏ ‏الحكمة‏ ‏وليس‏ ‏من سعيد‏ ‏في‏ ‏الدنيا‏ ‏كالعاقل‏ ‏الحكيم‏. ‏

 

لقد حاول الإنسان دائما أن يبحث عن السعادة عبر الحب والفن والجمال والحرية والتديّن والعمل والنجاح والتملك والإنجاب والصحة وصناعة المجد والسعي إلى الخلود والدفاع عن القضايا والتضحية في سبيلها ومن خلال المتع الحسيّة والروحية، ولم يترك بابا إلا وطرقه بحثا عن السعادة التي اختصرتها ‏الكاتبة‏ ‏والفيلسوفة‏ ‏الأميركية‏ ‏أين‏ ‏راند‏ ‏في أنها ‏حالة‏ ‏من‏ ‏الإدراك‏ ‏التي‏ ‏تأتي‏ ‏من‏ ‏إنجاز‏ ‏قيمة‏، ‏فكلما‏ ‏كان‏ ‏الشخص‏ ‏قادرا‏ ‏على‏ ‏تحقيق‏ ‏شيء‏ ‏ذي‏ ‏قيمة‏ ‏كان‏ ‏أسعد‏ ‏الناس‏.

 

والسعادة في  عالمنا اليوم مرتبطة بعناصر عدّة أبرزها الأمن والاستقرار وفرص المبادرة والنجاح وأن تجد الرعاية التي تحتاجها وتتوفر لك الخدمة التي تبتغيها، كما أنها تتطلب البيئة النظيفة والمحيط السليم والنظرة التفاؤلية، والتفاعل الإيجابي مع الآخر، والقدرة على الحب والتسامح وتحرير العقل وتطهير الوجدا ن، مع اعتناق قيمتين مهمتين هما القناعة والاقتناع.

 

وعندما تبادر دولة عربية ببعث أول وزارة في العالم للسعادة، فمعنى ذلك أن السعادة يمكن أن تكون أسلوب حياة، ومشروعا سياسيا كما هو اجتماعي وحضاري وثقافي، كما يمكن أن تكون طاقة فعل وإنجاز سواء للفرد أو للجماعة في ظل المجتمع السعيد. ومن الطبيعي أن ينتبه العالم إلى هذه المبادرة الاستثنائية والفريدة من نوعها، لأن العالم هو الإنسان، والإنسان هو الأمل الدائم في السعادة.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه