2016-02-15 

ماذا تريد أميركا؟

عبد الله بن موسى الطاير

الرياض -  أميركا لا تملك عصا سحرية لحل مشكلات الشرق الأوسط، هذا صحيح، ولكن على أميركا مسؤولية أخلاقية تتمثل في تحملها مسؤوليات الأخطاء التي ارتكبتها في المنطقة. الشرق الأوسط اليوم يمر بفترة حرجة لم يمر بها في تاريخه الحديث، وهذه الأزمة أسهمت الولايات المتحدة الأميركية في خلقها، وأخفقت في إدارتها بعد أن بدأتها، وتنكبت عن نتائجها، وتلكأت في تقديم حلول واقعية لما سببته من دمار في المنطقة.

 

الخطاب الأميركي المتغطرس على مستوى الإعلام ومراكز البحث لم يتوقف يوما عن توصيف العلاقات الأميركية - السعودية والخليجية على أنها علاقات نفطية وأن أميركا بحاجة لاستقرار الاقتصاد العالمي، وبذلك فهي تحمي تلك الدول حتى وإن كانت لا تتبنى النهج الديمقراطي في الحكم.

 

وفي كل مرة أقرأ أو استمع إلى تقرير أميركي أو سياسي أو باحث يردد هذه الكليشة أصاب بالغثيان. أميركا تحمي مصالحها وتمهد لفرض أنموذج الحياة الأميركي بأنظمته السياسية والاقتصادية والثقافية. وأثبتت الأيام أن دولا مثل المملكة لم تكن في يوم تركن إلى وعد الحماية الأميركية، ومع ذلك فقد كانت وما زالت تقدر العلاقات الاستراتيجية والصداقة القائمة على المصالح والاحترام المتبادل.

 

ويسجل التاريخ أن المملكة في المواقف التي تمس أمنها وكرامتها تصرفت كدولة ذات سيادة بغض النظر عن غضب أميركا أو رضاها. ومع ذلك فقد ظل الخطاب الاستعلائي بالحماية هو العنوان الأبرز في الفكر الأميركي. هذا الخطاب اكسبنا عداوات كثيرة، وتحملت بلادنا عبء هذه العلاقة عدة عقود، فقد أملت طبيعة الصداقة على المملكة تحمل أخطاء الدولة العظمى بل وربما تبريرها أحيانا، وفرضت التصرف سياسيا بهدوء يستوعب المتغيرات ولا يستثيرها وكل ذلك من أجل أن نوفق بين الانتماءات المبدئية للدين والقومية العربية والمرجعية الجغرافية والثقافة الشرق أوسطية، وبين العلاقة مع هذا الدولة العظمى التي لم تكن تسمع سوى صوتها، ولا تعترف برأي الآخرين ولو كانوا أقرب الأصدقاء. لم يكن أمام أصدقاء أميركا سوى مواجهتها بأخطائها خلف الكواليس وتجنب احراجها علنا. وكان هذا النهج فاعلا ويعكس واقعية السياسة السعودية وحكمة القيادة. وهو بلاشك تقليد قلّص النفوذ السعودي في محيطه، ولكنه جلب الاستقرار للمنطقة والازدهار لدولها؛ فأميركا وبدون شك هي محور الكون اقتصاديا وعسكريا وعلميا ومن الواقعية الاعتراف بذلك والتصرف على أساسه.

 

وبعد عقود من تخبط الأميركيين- الذين لم يكن لهم سياسة خارجية واضحة وإنما نمط حياة يرون أنه الأنسب للعالم وقوة ضاربة تستطيع فرضه- ها هم يتقهقرون واضعين مستقبل المنطقة في عهدة روسيا وإيران والإرهاب.  الفوضى الخلاقة التي تركوها تجعل الضحايا يحتربون فيما بينهم حتى تتكسر النصال على النصال على أمل أن تتسلم المنطقة وقد عادت إلى القرون الوسطى وقضي على نظام الدولة الحالي وأنهكت روسيا. وبمعنى أكثر مباشرة فإن أميركا تريد فرض ديمقراطيتها ونظامها الثقافي وطريقتها في الحياة حتى على الأطلال وبأي ثمن كان.

 

أضاع الأميركيون أفغانستان عام 1991م، وسلموها للفوضى عقب احتلالها عام 2001م. وفتح الأميركيون بوابة الأمن العربي الشرقية على مصراعيها وتسليم العراق المحتل والممزق إلى إيرانالأميركيون فهموا تحفظ المملكة على المساعدة في الاطاحة بصدام حسين عام 2003م على أنه موقف يقوض الأمن القومي الأميركي، ثم فُهمت نصيحة المملكة بعدم تفكيك الجيش العراقي على أنها خوف سعودي من ديمقراطية قادمة على أنقاض دولة وجيش العراق، فلا الديمقراطية وصلت ولا العراق بقي موحدا.

 

 

عدم الاستماع للسعوديين وأخذ رأيهم بمحمل الجد في فلسطين والعراق وسورية ومصر واليمن وصل بنا إلى ما نحن عليه الآن، فأميركا قوية حقا ولكنها تخطط من بيئة شديدة الاختلاف عن تلك التي تنطلق منها المملكة في فهمها للواقع العربي والإقليمي. أميركا أعلنت غضبها على السعودية على الأقل في البيت الأبيض تحت إدارة الرئيس أوباما وفي الخارجية الأميركية في ظل علاقة الرحم العائلي الدافئة بين بيت رئيس السياسة الخارجية الأميركية والإيرانيين. أميركا عاتبة إن لم تكن غاضبة على المملكة لأنها أنقذت الدولة المصرية التي كانت في طريقها للانهيار، وكاد ذلك البلد المهم جيو سياسيا للمملكة أن يغرق في الفوضى، وتصدت للربيع العربي لأنه كان وسيلة استغلت مطالبات الشباب العربي الثائر على أوضاعه الاجتماعية لتقويض الدولة وليس من أجل تغيير حياة أولئك الشبان للأفضل. مارست المملكة مسؤولياتها الأخلاقية في اطفاء كرة النار التي كانت تتدحرج بعنف في المنطقة تحرق كل شيء في طريقها. وكان السؤال الدائم هل تقف أميركا خلف الربيع العربي؟ أو هي تدعي ذلك بقطف نتائجه؟

 

وكيف تبدل سلوكها من الربيع عندما حلّ في سورية؟ فقد اتخذت أميركا موقفا داعما للدكتاتورية هناك ومارست ازدواجية عبّر عنها وزير خارجية روسيا قبل أكثر من ثلاث سنوات بأنها اتفاق في الغرف المغلقة واختلاف أمام وسائل الإعلام، ويبرهن الوضع الراهن على صدق لافروف حيث تصطف أميركا إلى جانب روسيا وإيران في قتل وتهجير الشعب السوري وتدميرهالولايات المتحدة الأميركية رحلت وتركت خلفها الفوضى في العراق، وليبيا، واليمن، وسورية، وعندما تأكد أنها غير قادرة على تبرير ما حدث للرأي العام الأميركي زادت الطين بلة وجاءت بالروس والإيرانيين واجتمعت معهما على عدو اسمه الإرهاب.

 

حسناً، المملكة العربية السعودية وتركيا ودول أخرى تبدو عازمة على أن تكون جزءا من محاربة الإرهاب على الأرض السورية، فهل هذه أخبار جيدة للولايات المتحدة الأميركية؟ ربما يكون التصريح الأميركي بدعوة تركيا لعدم ضرب الأكراد وقوات نظام الأسد تعبيرا عن تخوف أميركا من عودة القرار إلى دول المنطقة التي باتت معنية أكثر من غيرها بمحاربة الإرهاب الحقيقي المتمثل في داعش وحزب الله والمليشيات الشيعية المسلحة التي تقتل السوريين وتمثل خطرا محدقا. أين ستقف أميركا الآن؟

 

وماذا تريد تحديدا؟ اليوم لم نعد نتحدث عن حماية أو صداقة أميركية، وإنما الخشية أن يتطور خطاب عربي مسلم ينظر إلى أميركا على أنها العدوفماذا تريد أميركا؟

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه