2016-02-18 

ليبيا: حكومة الوفاق والسباق مع الزمن

أحمد إبراهيم الفقيه

العرب - يتطلع الليبيون إلى أن تكون حكومة الوفاق الوطني التي تم إعلانها أخيرا، تدشينا لمرحلة جديدة في الحياة السياسية الليبية، تنهي حالة التشظي الحكومي، والشيزوفرينيا في السياسات والقرارات والسلطات، التي جعلت البلاد تدار من حكومة في الشرق وأخرى في الغرب، وعدد من سلطات الحكم المحلي التي لا مرجعية لها، كما هو الحال في أقصى الجنوب الليبي، ومكونات مثل التبو والطوارق، تحسم أمورها بالاقتتال ومنطق القوة، عند أي نزاع، عدا سلطة الغول الداعشي الذي يسيطر على وسط البلاد، وينشر راياته السوداء على أكثر من مئتي كيلومتر على ضفة البحر الأبيض المتوسط، وعلى بعد فراسخ من الهلال النفطي.

 

يأمل الليبيون أن يكون نصيب هذه الحكومة في البقاء والحياة، أكثر من نصيب الحكومة الموسعة التي اقترحها المجلس الرئاسي على مجلس النواب وتم رفضها، ليعيد المجلس الرئاسي الكرة، ملتزما هذه المرة بتعليمات مجلس النواب، بأن تكون حكومة مصغرة، وأن تعتمد على الكفاءات قبل المحاصصة والتوزيع المناطقي والعشائري، وقدم حكومة من ثلاثة عشر وزيرا، وسبعة وزراء دولة، ليسوا أعضاء في المجلس، ولكنهم يتولون إدارة قطاعات مهمة في الجهاز الحكومي.

 

والجديد، الذي أثار جدلا في بعض الأوساط المعنية بالحراك السياسي الليبي، هو احتواء التشكيلة الجديدة، لوزيريْن سبق لهما العمل في وزارات النظام السابق الذي أسقطته الثورة، مشهود لهما بالكفاءة والنزاهة ونظافة الذمة المالية، ولا وجود لمآخذ على سلوكهما السياسي، ولا قضايا أمام المحاكم تتصل بفساد أو استغلال للمنصب أو تورط في العمل الثوري المعادي لخصوم النظام السابق ومعارضيه.

 

كثيرون يعتبرون هذا التعيين للوزيرين السابقين، مكسبا حققته حكومة الوحدة الوطنية، وسجله المجلس الرئاسي، لأنه أزال حاجزا نفسيا كان قائما بين أهل العهد القديم، وأهل ثورة 17 فبراير، وأرسى مبدأ الكفاءة والجدارة والنزاهة، ومنحها الاعتبار الأول في تولي المنصب العام، وأعلى من قيمة العامل الوطني باعتباره جامعا لكل أهل البلاد، فالجميع أبناء وطن واحد، سواء عملوا في العهد القديم أو ثاروا ضده، ولا فضل لهذا على الآخر، إلا بالسلوك القويم والأخلاق الحميدة، والكفاءة في شغل الوظيفة العامة، ولا متابعة لأي إنسان من أتباع النظام السابق إلا متابعة القضاء إذا كان في سجله ما يحاسب عليه من جرائم جنائية.

 

وقد انتهت بذلك تبعات قانون العزل السياسي وهو قانون ظالم، يظلم ليبيا قبل أن يظلم الأفراد، لأنه يحرمها من الاستفادة من أهل الكفاءة والعلم والخبرة، ويكفي أنه طال حتى المعارضين لنظام الطغيان، لمجرد أنهم كانوا في يوم من الأيام في منصب سفير أو قنصل أو غيره من مناصب.

 

ولهذا فإن من حق أهل البلاد اعتبار هذه الحكومة تدشينا لمرحلة جديدة، تعود فيها اللحمة الوطنية إلى ما كانت عليه قبل المشاحنات والنزاعات والانقسامات، ويعود النسيج الاجتماعي متينا قادرا على تجاوز سنوات المحنة والاحتراب التي كادت أن تمزق هذا النسيج، وتصبح الآن الدعوة مفتوحة لكل أبناء ليبيا القادرين على العمل والإنجاز الالتحاق بالعمل العام، والمساهمة في بناء الدولة الجديدة، وتعويض ليبيا عن سنوات الضياع، ومواكبة العصر، لأنها تأخرت كثيرا في أغلال الجهل والبدائية والبداوة، وقيم الدجل والعمل العشوائي، التي تكرست على مدى العقود الأخيرة.

 

نعم هناك بالتأكيد اعتراضات وتحفظات وملاحظات من شتى الأطراف على الحكومة الجديدة، ونعرف أن اثنين من أعضاء المجلس الرئاسي رفضا التوقيع، وأعلنا تعليق عضويتهما في المجلس احتجاجا على هذا العنصر أو ذاك، ولكن لا أحد ينتظر أن يتم تشكيل حكومة مثالية، تلقى القبول من كل الناس، خاصة في مثل هذه الحالة التي تعيشها ليبيا من فوضى الأعمال والأفكار والتجاذبات والنزاعات، والوصول إلى هذه الحكومة التي احتوت عددا من ألوان الطيف السياسي، وغطت المناطق الرئيسية الثلاث؛ طرابلس وبرقة وفزان، وحصلت على هذا التوافق الذي شهدته مدينة الصخيرات، أثناء التشاور مع لجان الحوار والمفاوضات، وهو الحد الأقصى الذي يمكن الوصول إليه، وسيكون تعجيزا، إرغام المجلس الرئاسي على الإتيان بحكومة يمكن أن يتوفر لها كل هذا التوافق، نعم، سنرى بعض الناس غاضبا، وآخر لم يجد في الحكومة كل ما يطلبه، ولكنها في النهاية حكومة توافق، وحكومة أطراف متنازعة، تريد الوصول إلى نقطة تلتقي عندها وهي نقطة لا بد أن تكون في منتصف الطريق، حيث يقطع كل طرف بعض خطوات للوصول إليها، فلا أحد يتوقع أن يبقى في مكانه ليأتي الجميع إليه، والاصطفاف بجواره في النقطة التي يريدها ويقف عندها.

 

كل الأطراف الحريصة على مستقبل ليبيا وعافيتها وخروجها من الأزمة، تدعو مجلس النواب إلى المصادقة على الحكومة، لأن البلاد في سباق مع الزمن وكل لحظة لها حساب، وكل تأخير يعني المزيد من الانهيار، والمزيد من التأزم، والمزيد من المعاناة المعيشية للمواطن، غير التوسع الداعشي، وتراكم الأخطار المحدقة بالوطن، كما تدعو إلى الإسراع بتأمين مقر لها في العاصمة طرابلس لكي تباشر معالجة الملفات التي تنتظرها وهي كثيرة وخطيرة وتقتضي إجراء عاجلا، وحاسما، يعيد للبلاد الأمن والاستقرار ويضعها على طريق بناء المؤسسات الدستورية الدائمة للدولة بإذن الله.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه