2016-03-03 

روسيا.. عودة الوعي العربي

محمد عارف

الاتحاد - العربُ قَدَرُ روسيا. شاهد العالم ذلك في «منتدى التعاون العربي الروسي»، الذي عُقد الأسبوع الماضي في موسكو، وقال عنه وزير الخارجية الروسي لافروف إنه «أصبح آلية مهمة لتعزيز الأمن في الشرق الأوسط». ساهم في المنتدى سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس الدورة الحالية لجامعة الدول العربية، ونبيل العربي أمين عام الجامعة، وتجاوز المنتدى مواضيعه الآنية، أي سوريا والإرهاب وسلام المنطقة، وأقرَّ إنشاء «المركز العربي الروسي» لتطوير المشاريع المشتركة في الاقتصاد والعلوم والثقافة.

 

و«الشرق الأوسط من العنف إلى الأمن» موضوع مؤتمر «نادي الحوار الدولي» الذي عُقد في موسكو الأسبوع الماضي أيضاً، وساهم فيه أكاديميون ودبلوماسيون من القارات الست. «الشرق الأوسط: من الجنون أن تصبح متفائلاً» عنوان بحث «كومار أسوامي» أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «نهرو» بنيودلهي، والذي يرى أن المشكلة الأساسية للمنطقة ليست خريطة «سايكس بيكو» الإمبريالية، بل فشل جميع الدول التي قامت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بما فيها تركيا، و«إلى أين يمضي الشرق الأوسط؟»، وبحثُ «فيتالي ناومكين»، رئيس «معهد الدراسات الشرقية» في «أكاديمية العلوم الروسية»، وفيه يرى أن مصير المنطقة بالكامل يتوقف على حل مشكلة سوريا، «لأن الصراع الداخلي السوري اتخذ وضعاً إقليمياً ودولياً»، و«انطلاق السباق في بناء أمن الشرق الأوسط» عنوان بحث الدبلوماسي والأكاديمي البريطاني «ألِستر كروك»، وقد استهله بالقول إن «المفاوضات حول مستقبل سوريا لا تجري في صالات مؤتمر جنيف، بل على الحدود التركية، وقرب الرقة».

 
 
 

و«داعش»، الحاضر الغائب بقوة في أعمال المنتدى، موضوع تقرير حافل أحاطَ بصورته في الإعلام العالمي، وهنا لم تعد الأبحاث الأكاديمية الروسية تلتزم، كالماضي، بتوجيهات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، بل دراسات أكاديميين يغامرون بإعادة تقييم التاريخ كله. التقرير الرئيسي في المؤتمر «الحرب والسلام في القرن 21» تناول موضوع «الاستقرار الدولي والنمط الجديد في توازن القوى»، وخلص إلى القول بأن «هدف السياسة، رغم أوهام القرن العشرين، ليس بناء الفردوس، بل تَجَنُّب الجحيم في الأرض». واستعاد التقرير أحداث القرنين الماضيين في أوروبا، انطلاقاً من «مؤتمر فيينا» نهاية القرن الثامن عشر، والذي استغرقت جلساته شهوراً عدة.

 

«كانت التغيرات في الفكر والتكنولوجيا قد دفعت إلى مقدمة المسرح التاريخي، ليس الحكام، ولا حتى الحكومات، بل الشعوب الواعية بمصالحها، والتي شرعت في إدراك أنها المشارك في تأليف موضوع الأحداث». آنذاك رأى الأديب الروسي تولستوي في جذور التطور التاريخي مجموع طموح ملايين الناس. و«في التاريخ يمتد خط حركة الإرادة البشرية في طرفه الخفي عن الأنظار، والطرف الآخر متحرك في المكان والزمان، تبعاً لدواعي إدراك حرية الناس في الحاضر». ديالكتيك الحرية والضرورة الحتمية يحتل مركز رواية تولستوي «الحرب والسلام» في تقدير واضعي التقرير، الذين يعتبرونها عصرية جداً. فاليوم، كما قبل مائتي عام، «يدرك الجميع التقلبات الرئيسية، لكن لا أحد بعد في موضع احتوائها، أو على الأقل رسم الخط الكفافي للمستقبل. الجميع يريدون السلام، لكن كلاً يرى بطريقته الخاصة الطريق إليه».

 

ومع عودة الوعي العربي في روسيا، وسواء كنت باحثاً عربياً مختصاً بروسيا، أو روسياً مختصاً بالعرب، ترى «أن تكون روسياً، هذه هي البهجة». قال ذلك «سوفوروف» أبرز القادة العسكريين لروسيا القيصرية، والذي لم يتغير موقع تمثاله المهيمن في حدائق «الكرملين»، خلال وبعد النظام الشيوعي. و«الماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء»، حسب ابن خلدون، الذي استعدته في «الكريملين» مع الباحث العراقي «عبد الله حَبَهْ»، الذي أقام له تمثالاً على حسابه الشخصي في «مكتبة الأدب الأجنبي» بموسكو.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه