2016-03-18 

الإرهاب من التنظيم إلى الدولة: الخطر الداهم

مصطفى القلعي

العرب - عندما نشأ تنظيم القاعدة سنة 1988 في اليمن والسّودان والصومال دعا إلى ما أسماه الجهاد الدولي. ولم تكن القاعدة إلا تنظيما من تنظيمات الإسلام السياسي، ولذلك بدأ يستقطب كل المتشددين المجاهرين بتشدّدهم أو المتسترين عليه.

 

وكانت الساحة الأفغانية المحطة الكبرى التي اجتمع فيها المتشدّدون الإسلاميون لا سيما من جنسيات عربية لاختبار قدرتهم على حمل السلاح وخوض المعارك ضدّ السوفييت مطلع التسعينات. وكان الغرب قد يسر حركة انتقال الإسلاميين من أراضيه إلى أفغانستان رغم أنّ تنظيم القاعدة كان قد صُنّف إرهابيّا من قبل الحلف الأطلسي والدول الغربية.

 

وقبلت بعض الدول الغربية لا سيما بريطانيا أن تلعب دور الوسيط ودور دولة العبور إلى أفغانستان بدعوى محاربة العدوّ المشترك. عندها كان المنتمون إلى القاعدة يسمّون جهاديّين وتنقل التلفزيونات الرسميّة أخبار معاركهم وانتصاراتهم.

 

نشأ تنظيم القاعدة مشتّتا بين البلدان مثل اليمن والصومال والسّودان. أما داعش المنسلّ من رحم القاعدة فنشأ دولة كاملة فجأة على مرأى من العالم، وخلافا لكلّ التشريعات والأنظمة والمواثيق الدولية، دولة بأجهزتها وإدارتها وعُملتها ورعاياها ومحاكمها وتجارتها وأنظمتها وجيشها وشرطتها.

 

بمعنى آخر لا يمكن أن تنشأ دولة مارقة معادية بهذه السهولة على أرض ما دون علم القوى الدوليّة التي تراقب دبيب النّمل في كلّ شبر من العالم بل دون مساعدتها. والمساعدة لا تعني التنسيق الآلي المباشر، وإنما القوى الدولية كانت تضع الخطّة وتعدّ مسرح الأحداث وتوجّهها من الخارج مستغلة تقاطع المصالح مع الإرهاب.

 

أمّا في تونس فالأكيد أنّ دولة الاستبداد التي حكمت طيلة أزيد من نصف قرن قد تركت أرضيّة خصبة معدة ليلعب فيها الإسلام السياسي. وتتمثل هذه الأرضية في تفقير جهات الشمال الغربي والوسط والوسط الغربي والجنوب والجنوب الغربي، وزرع العنصرية الجهوية والتفاوت الجهوي والطبقي. وقد استغلّ الإسلام السياسي هذه العناصر في تجربة الانتخابات 2014 التي كانت نتائجها في هذه المناطق تدعو إلى الدراسة والتفكير.

 

والأكيد أنّ حكومات ما بعد 14 يناير 2011 ساهمت في تدعيم المناخ الملائم الذي يمكن أن تلعب فيه التنظيمات المارقة ذات المخطّطات التقسيمية التخريبيّة مثل تنظيمات الإسلام السياسي. وليس أفضل لها من مناخ الفقر والبطالة وانعدام التنمية وانسداد الأفق وانتشار الشعور بالغبن والحقد لدى سكّان الجهات المحرومة لتتحرك فيها.

 

بعد 14 يناير 2011 أدّت كلّ السياسات المتّبعة من قبل حكومتي الترويكا إلى تغذية العنصرية الجهوية جنوب/ شمال أو ساحل/ داخل، وذلك نتيجة عجز الدولة عن تغيير هذا الواقع لسببين؛ الأول إداري متمثّل في موروث البيروقراطية الإدارية وتعثّر التشريعات اللازمة لتغيير هذه المنظومة الإدارية المتآكلة، والثاني مادي يتمثل في العجز عن إنتاج الثروة وفشل كلّ المراهنات على التمويلات الأجنبيّة من مساعدات أو استثمارات.

 

هذا الواقع الديموغرافي والجغراسياسي التونسي سهّل مخطط الإسلام السياسي، بوجهه الإرهابي، للتوطّن في أرض تونس، لا سيما في جبال القصرين وسيدي بوزيد والكاف وجندوبة وسليانة وفي الأحياء الشعبية على تخوم العاصمة وفي بنقردان. ولئن تبرّأت حركة النهضة من الإرهاب بعد أن كان وزيرها علي العريض قد صنّف تنظيم أنصار الشريعة إرهابيّا، فإنّها قد منحته ما يكفي من الوقت ومن الأرض ليشكّل عليها نواته. فليس قرب بنقردان من ليبيا ووجودها على الحدود معها هو ما جعلها هدفا للهجوم الإرهابي الأخير. وإنّما غياب التنمية وانتشار الفقر والشعور باليأس هي عوامل أطمعت تنظيم داعش فيها لتكون منطلقه لطموحه في غزو شمال أفريقيا وجنوب أوروبا. وكم قال الخبراء بأنّ التنمية هي المقاومة الفعليّة للإرهاب.

 

ما هو المتوقّع من جهات مستهدفة بالإرهاب وتقيم في جبالها أو أحيائها خلايا إرهابية؟ إمكانيات ثلاث؛ إما المقاومة، وإما الانخراط، وإما النزوح. والإمكانيات الثلاث موجودة اليوم في تونس بتفاوت. ففي بنقردان رأينا المواطنين ملتحمين مع القوات العسكرية والأمنية في محاصرة العناصر الإرهابية، ووجدناهم جدار الصدّ الأوّل للوطن. وفي سيدي بوزيد والقصرين وسوسة وأحياء العاصمة رأينا الانخراط في الإرهاب وتوفير حاضنة له.

 

وفي سليانة في إقليم الشمال الغربي المفقّر بدأنا نعاين ظاهرة خطيرة تتمثّل في نزوح سكّان بعض المناطق الجبليّة التي تتحرّك فيها خلايا إرهابيّة مثل منطقة الجدايليّة إلى أماكن أخرى، منهم من قصد العاصمة ومنهم من اتّجه إلى مدن أخرى. الشيء نفسه تشهده منطقتا جبل بلوطة والسرج الجبليّتان في سليانة بعد أن انتشر الرعب في صفوف سكّانهما.

 

ترك الأرض والديار للإرهابيين سيسهل تشكيل الإمارة، النواة الأولى للخلافة، وتخريب الدولة الوطنية في تونس. وإلى الآن مازالت خيارات مقاومة الإرهاب في تونس تكتفي بالجانب الحربي، ولم تمر إلى الجانب الاستراتيجي المتمثّل في التنمية وإنتاج الثروة داخليا، وفي التفكير الضروري في تغيير توجّهات السياسة الخارجية نحو إنشاء الائتلافات الإقليمية لمقاومة الإرهاب لا سيما بين دول الجوار العربية منها والأفريقية.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه