2016-03-21 

حدود المغامرة البوتينية

ماجد كيالي

العرب - حدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب ألقاه في17 مارس، ثلاثة أسباب وقفت وراء قراره سحب جزء كبير من القوات الروسية من سوريا، أولها، أنها نجحت في منع وصول الإرهابيين إلى بلاده. وثانيها، أنها هيأت الظروف للسير في التسوية السياسية. وثالثها، أن بقاءها بات مكلفا وغير مبرّر في ظل الهدنة؛ ولم ينس بوتين التأكيد على استمرار “مكافحة الإرهاب”.

 

واضح أننا إزاء شخص يتصرف كحاكم بأمره، فهو الذي قرّر إدخال الجيش الروسي في الحرب السورية، لصالح النظام، وهو الذي اتخذ قرار وقف هذه الحرب، من دون حكومة ومن دون مجلس نواب، وكأننا في بلد من بلدان العالم الثالث بالقياس إلى شكل النظام السياسي وطريقة اتخاذ القرارات.

 

لكن بمعزل عن كل ذلك، فإن تفسير بوتين للوقف شبه الكامل للهجمات الحربية الروسية في سوريا، والتي تمثلت في القصف الجوي، لم يكن موفقا، إذ اتسم بالمغالطة والتورية والتلاعب، إذ أن القسط الأكبر من الهجمات الجوية الروسية لم يكن يستهدف داعش، بقدر ما استهدف المناطق التي تسيطر عليها الجماعات العسكرية السورية المحسوبة على الجيش الحر، لا سيما شمالي حلب واللاذقية، أي لم تستهدف مناطق سيطرة داعش في الشرق السوري بل إن هذا التنظيم ازدادت شوكته تلك الفترة. بمعنى أن الهدف من تلك الهجمات التي اتسمت بالعماء والوحشية، والتي ذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء، كان يتركز على تحسين مواقع النظام، وإضعاف شوكة الجماعات المعارضة، وأيضاً تحجيم المداخلات التركية في الشمال السوري.

 

 

على ذلك فإن قول بوتين “دمرنا الإرهابيين وخزائن سلاحهم وذخيرتهم، وأغلقنا عليهم طرق تهريب النفط التي كانوا يحصلون من خلالها على الدعم المالي الأساسي”، هو ادعاء لا يليق برئيس دولة تعتبر نفسها دولة عظمى. أما حديثه عن أن تلك الهجمات هيأت “لبدء العملية السلمية”، فهو كلام إنشائي ينطوي على تزييف للحقائق، إذ أن روسيا وقفت دوما مع النظام، ومع انتهاجه الحل الأمني، بمعارضتها أي توجه دولي يحثه على القبول بخطة جنيف 1، وهي التي استند إليها قرار مجلس الأمن الدولي مؤخرا (2254، ديسمبر 2015)؛ تماما مثلما ساندته في عناده الذي أفشل مفاوضات جنيف 2. أما منع الإرهابيين من الوصول إلى روسيا فهذه فرية أخرى، لأن الكثير من الإرهابيين في داعش يأتون من الشيشان، أي من بلاده ذاتها، وتبعاً لأن سياساته، كما سياسات النظام، هي التي تشكل التربة الخصبة لبروز هكذا جماعات.

 

بيد أن الجزء الأكثر أهمية في خطاب بوتين المذكور بدا وكأنه بمثابة حملة تسويقية للسلاح الروسي، إذ تحدث بوتين عن “قيام سلاح الطيران الروسي بأكثر من تسعة آلاف طلعة جوية في سوريا…وعن إطلاق صواريخ من طراز كاليبرا من بحري قزوين والأبيض المتوسط، فضلا عن صواريخ برية يبلغ مداها أكثر من أربعة آلاف كلم، على أهداف في سوريا. مشاركة الجيش الروسي في سوريا كانت أفضل فرصة للتدريب القتالي، الأسلحة الروسية أثبتت فعاليتها في هذه الحرب”. فمن دون شك فإن هذا الكلام ينطوي على ذلة كبيرة، من الناحيتين السياسية والأخلاقية، إذ أن بوتين يظهر من خلالها وكأنه يتعامل مع سوريا كحقل رماية، ومع السوريين ليس بوصفهم بشرا وإنما بوصفهم أهدافا تدريبية.

 

في الواقع فإن هذا الكلام يظهر بوتين ليس كمجرد دكتاتور متغطرس من بلدان العالم الثالث، فقط، وإنما كرجل فظّ متبجّح أيضا، وفوق كل ذلك كتاجر مدع، خاصة مع علمنا أن السلاح الروسي لم يجرب في حرب حقيقية، حتى يحظى بصدقية تمكّن من تسويقه. وفي ذلك فقد تجاهل بوتين أن هذا السلاح لم يخض حرباً أصلاً، إذ لم يكن في مواجهته جيش آخر، وإنما مجرد شعب أعزل، وبعض جماعات مسلحة خفيفة التسليح. وهذا طبعاً مع معرفتنا أن هذه حرب إجرامية ولا أخلاقية وعدوانية خيضت للدفاع عن أحد أكثر الأنظمة استبدادا في العالم.

 

تفسير تراجع بوتين، كما مغامراته، يكمن في استعراضيته، وفي سعيه لإرضاء عقدة النقص لديه، والظهور كمن يقرر قواعد اللعبة، أو يشارك بها، في مقابل الولايات المتحدة الأميركية، لكن فاته أن كل ذلك لا يكفي لإخفاء محدودية قدرة روسيا ومحدودية دورها، وأن كل ما تشتغله، سواء في الحرب أو في وقفها، إنما يخدم السياسة الأميركية بطريقة أو بأخرى، فمن الذي قال إن الولايات المتحدة تتضرّر من السياسات التي ترتكبها روسيا بوتين؟

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه