2016-03-22 

بين «ممر الجرذان» و «صفقة الأواكس» .. دروس وعبر

فيصل العساف

الحياة - مما لا شك فيه أن إيران الثورة سعت إلى شيطنة المكون السني صاحب الغالبية الساحقة إسلامياً، مستغلة في طريقها إلى ذلك، عناصره المتطرفة، الحاقد الأصيل على حكوماته، بل وحتى الشعوب التي ترضى أن تدار من تلك الحكومات. وبحسب رسائل أسامة بن لادن، فإن مجرد تهديد إيران أو مصالحها في الخارج من الجماعات الإرهابية، التابعة له فعلياً أو فكرياً، يعتبر ضرباً من ضروب الغباء الاستراتيجي، خصوصاً أنها بحسب قوله: «الممر الرئيس لنا بالنسبة للأموال والأفراد والمراسلات». وفي حين أصبحت تلك الرغبة الإيرانية، واقعاً ملموساً، فإن «تعيير» الأميركان والغرب عموماً، بما لدينا من أموال نبذلها إليهم بمختلف المبررات، يبقى واحدة من الأفكار التي لا تسمن سياسياً، ولا تغني من جوع موقفنا الدولي المحرج.

 

«ممر الجرذان» الذي استخدمه الإيرانيون لنقل الإرهابيين إلى أوروبا، يعرف الغربيون إحداثياته جيداً، وعلى رأي أبو الطيب المتنبي فإنه:

ليس يصح في الأفهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل

فالعزف على وتره يدور في فلك توضيح الواضحات ليس أكثر، حتى ولو كان المقصد تبرئة ساحتنا مما يتم وصمنا به من علاقتنا الوطيدة بالإرهاب فكرياً.

 

طرأ على بالي وأنا أقرأ تداعيات معركتنا المبذولة في سبيل تبيان حسن نوايانا، ما نقله الكاتب ويليام سيمبسون عن الأمير بندر بن سلطان، من قوله: «لطالما اعتقدت أن لدى الإسرائيليين قضية رديئة، لكن لديها محامين جيدين، وأننا نحن العرب دائماً لدينا قضية محقة، لكن لدينا محامين سيئين»، نعم، المحامون الجيدون «بينهم»، هم من ينقصنا باختصار شديد موغل في إصابة الهدف، واخترت صفقة السعودية لشراء الأواكس من الأميركيين، بكل تفاصيلها، لتكون عنواناً عريضاً يمكن الاستفادة منه، والتحرك بناءً على معطياته في الشكل الذي يخدم مرامينا، التي نرغب في طرح أبعادها على السياسيين، ومن خلفهم الشارع الغربي.

 

من المعروف أن عدونا اللدود الذي كان لا يريد إتمام تلك الصفقة ساعتها هم الإسرائيليون، وخلفهم آيباك أو (لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية)، التي تعتبر من أقدم وأبرز لوبيات العمل من أجل الضغط لكل ما فيه مصلحة إسرائيل في أميركا، ولا أعتقد أن هناك من يستطيع الزعم بتحقق الحظوة له في الداخل الأميركي أكثر من الإسرائيليين، الذين على رغم كل مساعيهم، لم يستطيعوا تخريبها، والفضل يعود في ذلك إلى استيعاب المداخل والمخارج من وإلى عقول الأميركيين، واللعب في أحيان كثيرة على هفوات الآخر وأخطائه، التي يجب علينا عدم الوقوع فيها، حتى لا يتم استغلالها في الشكل الذي لا يخدم أهدافنا.

 

نظام الإنذار المبكر عبر الأواكس، لم تأت به خطب رنانة، ولا مقالات عصماء هزت قلوب الأميركان، إنما باللعب على الحبال التي يفهمونها، حملات العلاقات العامة واستقطاب المدافعين الجيدين، وحده من أتى بها، ليطير السعوديون بقيادة السفير بندر بن سلطان بالأواكس، ويتركوا الرئيس الإسرائيلي مناحم بيغن يلطم بين مجلسي الشيوخ والكونجرس الأميركيين.

 

لنكن صرحاء أكثر، الأميركان وسياسيو الغرب عموماً، يعرفون تمام المعرفة مدى الوجع الذي تعانيه السعودية جراء الفكر المتشدد، لكن الإيرانيون نجحوا «بالإرهابيين» في تشويه المذهب السني بجملته، بإظهارهم بأنه لا «كبير» له، مثلما نجحوا في تقديم مذهبهم الشيعي على أنه الأكثر أمناً للعالم، بفضل سطوة معمميه على رعاياهم، إذاً فإن سد الثغرات التي يتسلل منها الغربيون نحو بعض خصوصياتنا، يظل هو المطلب الأهم في الوقت الحالي، فالعالم الكبير أضحى قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، وليس من المنطقي القول: بيننا وبينكم النفط، ولا علاقة لكم بما نفعله في بلادنا! لننظر في ما جعلناها مسلمات شرعية، ولنعد قراءة الاختلافات الفقهية الكبيرة حولها، علينا أن نحرر المرأة من القيود، نحو فضاءات الشرع الرحيبة، ولنخلصها من معوقاتها التي قد تئد طموحاتها، لتقد المرأة السعودية سيارتها بنفسها، كما كانت المسلمة تقود بعيرها في عصر النبوة. لماذا لا نستبدل عقوبة الجلد - في غير الحدود الشرعية - بالعقوبات البديلة؟ ولماذا نعدم بالسيف في ٩٩ في المئة وأكثر من حالات الإعدام، ما دام يمكننا الاستعاضة عنه بالمسدس؟ ولأي غرض تأخرت القوانين التي تجرم الطائفية والعنصرية والمناطقية، حتى يومنا هذا؟ ففي السعودية، ليس مطلوباً - على سبيل المثال - أن يكون السنة والشيعة إخواناً، أهم من ذلك أن يحترم كل منهما الآخر، ولو «غصباً».

 

ختاماً، لا يشكك إلا المضللون والمغرضون في النية الإصلاحية للقيادة السياسية السعودية، لكن تبقى طريقتها إلى ذلك هي محل الأخذ والرد - من منطلق المسؤولية الوطنية -، مع الاعتراف الكامل لها بالنجاح في قيادة السفينة إلى بر الأمان، على رغم الأمواج العاتية والمتلاطمة، أولاً وأخيراً.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه