2016-03-28 

في انحسار صورة جمهورية إيران الإسلامية

ماجد كيالي

العرب - عملت جمهورية إيران الإسلامية، منذ قيامها، على تعزيز شرعيتها ونفوذها الإقليميين، لا سيما في المشرق العربي، بالاستناد إلى خطاب أيديولوجي شعبوي، هو خليط من خطاب ديني وثوري، مركزه القضية الفلسطينية، معطوف على مقاومة الإمبريالية والمقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وقد دعمت إيران كل ذلك بإنشاء قوّة عسكرية وازنة في لبنان (حزب الله)، ودعم إقامة جماعات ميليشياوية مسلحة في العراق، مع إنشاء جمعيات في كل مناطق الجمهور “الشيعي” في البلدان العربية. وفي ذلك سعى نظام “الولي الفقيه” في إيران، إلى اعتبار ذاته بمثابة المركز للعالم الإسلامي ولتيارات الإسلام السياسي، ليس الشيعية فحسب، وإنما السنّية أيضا.

 

معلوم أن نفوذ إيران الفعلي تصاعد كثيرا مع سقوط نظام صدام حسين، وفي مناخات الاحتلال الأميركي للعراق (2003)، حيث بدا أن الولايات المتحدة عملت لإيران، ما لم تستطعه هذه لوحدها، إذ أضعفت العراق (تماما مثلما خدمها في أفغانستان)، لكأنّ الولايات المتحدة دفعت من كيسها ثمن احتلال العراق، في حين استطاعت إيران حصد نتائج كل ذلك بنفوذ وازن في العراق، بأقل كلفة ممكنة.

 

مع كل ما ذكرناه فإن نفوذ إيران الإقليمي ظلّ موضع شكّ وشبهة، وظلّ في إطارات محدودة، لأسباب متعدّدة أهمها الطابع المذهبي للخطاب السياسي والإسلاموي لإيران، وبحكم أنها لم تستطع أن تقدم النموذج لدولة منفتحة، لا باعتبارها دولة إسلامية، ولا باعتبارها دولة ديمقراطية. فبالنسبة لكونها دولة إسلامية فقد اتّسم الخطاب الديني لإيران بالتشدّد، وبهيمنة آيات الله على كل مناحي السلطة في إيران، وبتبنّي نهج “الولي الفقيه”، فضلا عن الطابع المذهبي المكشوف؛ ما ارتدّ عليها سلبا، وحدّ من إمكانية توسيع نفوذها في الإطارات الشعبية في البلدان العربية، ذات الأغلبية المذهبية السنية.أما بالنسبة لاعتبارها دولة ديمقراطية، فمن البديهي أن الاعتبارات السابقة تفيد بإضعاف المبنى الديمقراطي في نظام الحكم، وباختزال الديمقراطية إلى مجرد لعبة انتخابية، لا سيما بالنظر لتحكّم رجال الدين بالتشريع والقضاء وبأجهزة الدولةفوق ذلك فإن دعم إيران لقوى حزبية مسلحة ليست موضع إجماع في بلدانها، بل تعتبر عامل تصدّع، على غرار حزب الله في لبنان، وإلى حد ما حركة حماس في فلسطين، وبعض القوى المذهبية الميليشيوية في العراق واليمن، أثار الشبهات حول خطاباتها وأدوارها الإقليمية.

 

على الصعيد الاقتصادي فإن إيران لم تستطع أن تشكّل أنموذجا ناجحا أو مناسبا يمكن تمثله، أو الاعتداد به، فهذه الدولة تمتلك ثروات هائلة من النفط والغاز يساوي ناتجها السنوي نفس الناتج السنوي لتركيا، أو حتى أقل منه، (نحو 1000 بليون دولار مقابل 1.300 بليون لتركيا)، وحجم صادراتها الصناعية (من دون الغاز والنفط) لا يزيد عن 20 بليون دولار، أي أقل من تركيا بكثير، رغم ثروتها الطبيعية تلك ورغم أن مساحتها تبلغ ضعف مساحة تركيا؛ هذا فضلا عن ارتفاع نسبة الفساد والبطالة والفقر فيهاأيضا، فقد بدت إيران، لا سيما بعد أن عزّزت نفوذها في العراق، أكثر استعداء واستفزازا للنظام العربي الرسمي السائد، وهي كانت على الدوام تحرّض عليه، بدعوى خنوعه أمام إسرائيل، وخضوعه لإملاءات الولايات المتحدة، ما وضعها في مواجهته.

 

بيد أن أهم الأسباب التي سرعت في تقويض صورة إيران وانحسار نفوذها تكمن، أولا، في انكشافها كدولة دينية، أو كالدولة الدينية الوحيدة في المنطقة، التي تحتكم لرجال الدين. وثانيا، في انكشافها كدولة تتصرف على أساس طائفي، وتعمل على شق وحدة مجتمعات المشرق العربي، على أسس مذهبية “سنية” و“شيعية”، وهو الأمر الذي أخفقت فيه إسرائيل. وثالثها، وقوفها مع نظام الأسد، القائم على الفساد والاستبداد. وفي كل ذلك، فعدا عن استعدائها للأنظمة العربية، فقد استعدت إيران قطاعات واسعة من المجتمعات في المشرق العربي، في لبنان وفلسطين والعراق والأردن وسوريا.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه