2016-05-05 

ماذا عن 'الدولة الكردية'

جمعان الغامدي

العرب - ما لم يكن هناك ما يخفيه البيت الأبيض والكرملين؟ هل أقول بقي ما يربو على المئتي يوم من حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما، فهل يستطيع أن يفعل شيئا ذا أهمية لصالح الإنسان في الشرق الأوسط، أو على أقل تقدير لصالح حلفاء الولايات المتحدة في هذه المنطقة المشتعلة؟ الإجابة، وبلا أدنى شك، هي لا. هذا الرئيس لن يتمكن في غضون أشهر معدودة أن يتحوّل من ردّة الفعل إلى الفعل، وكأنما قدر هذه الإدارة أن تبقى في الخلف ولا تستطيع أن تأخذ زمام المبادرة لتصنع الحدث أو تستغله بما يتوافق ومصالح حلفائها.السياسة المتردّدة لأوباما خلال السنوات الثماني الماضية أدّت إلى تهديد التحالف السعودي الأميركي، إضافة إلى الاتفاق النووي الأميركي الإيراني الذي زلزل هذا التحالف وتلك العلاقة المميزة

 

وإذا كانت الرؤية السعودية لذلك الاتفاق النووي نظرة شك وعدم ارتياح، فقد حاولت الإدارة الأميركية تطمين السعودية حيالها ولكنها لم تنجح كما يبدو. “عاصفة الحزم” جاءت كبيان سعودي ضدّ الإدارة الأميركية وكذلك “رعد الشمال”، ولعل هذا ما دعا الإدارة الأميركية إلى المشاركة في عاصفة الحزم لمنع ما وصفته بتهريب السلاح للحوثيين وكوسيلة ضغط على إيران، أو هذا ما يريدوننا أن نقتنع به.

 
 
 
 
 

هذه مؤشرات لانعدام الثقة الناتجة عن المواقف الأميركية المبنية على ردة الفعل تجاه القضايا المهمة في الشرق الأوسط، فهذه الإدارة ليست هجومية كإدارة جورج بوش الابن، أو استباقية كإدارة بيل كلينتون. وكان الخطاب الذي استهلت به الإدارة الأميركية حكمها قد ذكرت فيه أن الولايات المتحدة ستتجه إلى الشرق الأقصى.

 

وبدأت بالفعل في الانسحاب من الشرق الأوسط حتى بدأ الربيع العربي، فحاولت استغلاله لتحقيق بعض المصالح الإضافية لها في المنطقة، إلا أن تدخلها الناقص وغير المكتمل في ليبيا وما نتج عنه من فوضى استمرت حتى الآن، أدّيا إلى تراجعها عن اتخاذ أيّ قرار في قضايا المنطقة.

 

وإذا كنا قد ذكرنا قضايا المنطقة فلا بدّ من الإشارة والتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي أكبر الخاسرين في عهد الرئيس أوباما حيث لم يكن للرئيس الأميركي أيّ دور يذكر فيها. ولعلّي أجزم بأن التاريخ لن ينسى التذكير بأن أسوأ الإدارات الأميركية التي تعاملت مع القضية الفلسطينية هي إدارة أوباما.

 

يبدو أن الفشل الأميركي في ليبيا أحد أهم الأسباب خلف عدم قدرة الإدارة الأميركية اتخاذ أيّ قرار في سوريا حتى أضحت أداة في يد روسيا تحركها كيفما شاءت. انحسار الدور الأميركي أمام النفوذ الروسي في سوريا ليس الأول، فقد سبقه كذلك الحال في أوكرانيا. حينما ينحسر الدور الأميركي بهذا الشكل فهو أمر ناتج عن تخبط في السياسة الأميركية ليس أقل أو أكثر.

 

هذا التخبط السياسي أدّى إلى استشراء ظاهرة الإرهاب وزيادة نفوذها في عدد من الدول التي يهمّ إيران أن تلعب فيها كالعراق وسوريا ولبنان واليمن ثم ليبيا. وما يحدث دليل واضح على عدم امتلاك الإدارة الأميركية لأيّ رؤية استراتيجية في الشرق الأوسط بل إنها تعتمد على سياسة ردّ الفعل فقط. فهل هو تخبط فعلا، أو أن الروس والأميركان يريدوننا أن نفهم ذلك ونقتنع به؟

 

رغم أن الرئيس الأميركي يحـاول أن يرسم لنفسه صورة تميزه عن سواه من الرؤساء الأميركيين، إلا أنه لن ينجح في تغيير صورته التي صنعتها فترتا الرئاسة في ذهن الرجل. ومن ذلك زيارة الرئيس أوباما للأرجنتين ولكوبا وإعلانه عن رغبته في زيارة هيروشيما وناغازاكي اللتين تعرضتا للقصف النووي في الحرب العالمية الثانية، وكذلك إعلانه عن رغبته في زيارة فيتنام التي أظهرت للعالم قبح العسكرية الأميركية.

 

هذه الزيارات ليست للاعتذار أو لشعوره بانحسار النفوذ الأميركي، بل هي عائدة إلى شعور المنتصر الأميركي بأنه الأكبر والأعظم. إذن كيف يمكن أن يكون ضعيفا أمام الروس؟ كم وددت ألّا يسمح ميت رومني منافس أوباما في انتخابات 2012 بأن يفوز في فترته الثانية، بعد اتهامه لنصف الأميركيين بالتهرب من دفع الضرائب، ولكنها سنة الانتخابات الأميركية حيث كلمة ترفع مرشحا ما وتسقط آخر.

 

الفترة الرئاسية الثانية للرئيس أوباما فيها تمكين للروس والطوائف والميليشيات الإيرانية في سوريا. وكان فيها كذلك مزيد من الضعف ومزيد من الانحسار للنفوذ الأميركي حتى تحوّلت الولايات المتحدة الأميركية إلى أداة لتنفيذ المطالب الروسية وتحقيقها على الأرض السورية، سواء بالضغط على الأتراك لمنع دخول مقاتلي بعض التنظيمات السورية التي تريد روسيا تصنيفها على أنها إرهابية، أو بعدم قصف الدواعش الذين يتحركون بحرية بين الموصل العراقية وحلب السورية.

 

 

هل ما سبق يبين ضعف الرئيس أوباما؟ ربما، ولكن ماذا لو أن الأمر لم يكن كذلك بالفعل، وأنه إنما يعكس رغبة أميركية روسية مشتركة لإقامة الدولة الكردية؟ هنا سندخل منعطفا جديدا حرجا وقويا نحتاج معه إلى أن نتفحص الموقفين التركي والإيراني بدقة أكبر، وفيمَ سيكون لهما أي تأثير؟

 

المؤشرات على الدولة الكردية ما أعلنه أكراد سوريا من أن منطقتهم فيدرالية ديمقراطية وأنه لم يتبق لهم سوى إعزاز وجرابلس على الحدود التركية، والتي ترفض تركيا أن تقعا تحت سيطرة الأكراد، بل تفضلان أن تبقيا تحت سيطرة الدواعش. يضاف إلى ذلك تصريحات مسعود البرزاني بأنه سيتفاوض مع الحكومة العراقية من أجل الاستقلال التام وإعلان دولة كردية، وأن إقليم كردستان العراق سيشهد استفتاء لتحديد المصير نهاية العام الجاري.

 

إضافة إلى أن الولايات المتحدة تقوم الآن ببنـاء مطار لها في كوباني وآخر في الرميلين بالحسكة والثالث هو مطار منغ الذي استولى عليه الأكراد من الجيش الحر بدعم روسي كبير. هذا المنعطف ليس بالمنعطف السهل ويحتاج إلى إعادة قراءة شاملة للموقف والتاريخ وردود الأفعال، خاصة وأنه يشكل تهديدا للأمن القومي التركي.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه