2016-05-05 

موسى الصدر والخميني

إدريس الكنبوري

العرب - قبيل رحيله بعدة أشهر، كان الزعيم الشيعي اللبناني المختطف من قبل النظام الليبي السابق موسى الصدر قد حضر آخر حلقات الدروس الحسنية الرمضانية، التي كان الملك المغربي الراحل الحسن الثاني يدأب على عقدها في شهر رمضان من كل عام، ويشارك فيها عدد مهمّ من كبار العلماء في العالم الإسلامي. وبينما كان الصدر يزور الرباط لحضور تلك الجلسات كضيف، حتى وإن لم يسهم في إلقاء واحد من الدروس التي كانت تلقى من لدن المشاركين، كان الخميني وأتباعه يراقبون تحركاته من باريس ومن داخل إيران؛ ولم يكد يطاح بالشاه عام 1979، بعد عام من اختفاء الصدر في ليبيا، حتى كانت قد انفجرت الخلافات بين الخميني والحسن الثاني، فقد كانت علاقات هذا الأخير بموسى الصدر من الأمور التي دفعت النظام الإيراني الجديد إلى الحنق على المغرب.

 

أن يتمّ اختطاف الصدر في ليبيا، خلال زيارته الخاطفة لمعمر القذافي، لم يكن مجرّد مصادفة، فالعقيد الليبي كان شديد الحقد على النظام المغربي، وهو بعد أن فشل في المراهنة على الفكرة القومية بعد ضمور الناصرية قرّر أن يميل إلى جانب الثورة الشيعية الخمينية والمراهنة على الدين، فأنشأ جمعية للدعوة الإسلامية العالمية حاول أن يستقطب لها مجموعة من رجال الدين؛ ولذلك تقاطعت مصالحه مع مصلحة الخميني، فهذا الأخير كانت توجد مصلحته في اختفـاء الصـدر والحيلـولة دون أن يتقـوّى نفوذه وتحالفاته العربية بحيث يشكل تهديدا لنفوذ الخميني، بينما كانت مصلحة القذافي في منع أيّ تحالف ممكن بين الصدر وبين خصمه في المنطقة، من شـأنه أن يؤثر على موقعه، وهو ما كان يدفعه إلى تمويل ودعم جبهة البوليساريو التي تدعـو إلى انفصـال الصحراء عن المغرب.

 

في كتابه الجديد عن العلاقات الأميركية الإيرانية تحت عنوان “سقوط السماء”، يؤكد الباحث الأميركي أندرو سكوت كوبر بأن الخميني كان وراء مؤامرة اختطاف واغتيال الصدر، بالتنسيق مع القذافي، لأنه كان يدرك الخطورة التي يمثلها على سلطته ومخططه في الإطاحة بنظام الشاه وتنصيب نفسه زعيما جديدا لإيران. ويسوّق كوبر جملة من الأدلة والشهادات التي تدعم رأيه، وكيف تمّ التخطيط بدقة للجريمة بحيث يصبح السيناريو هو أن الصدر خرج من ليبيا لكي لا يذهب إلى أيّ مكان.

 

وبحسب كوبر، فإن الصدر كان يعرف دموية الخميني، وكان رافضا لفكرة الدولة الدينية، كما أنه كان يدرك حجم الخسارة التي يمكن أن يجنيها الشيعة العرب في حال انتصاره وإنجاز ثورته.

قصة اغتيال موسى الصدر هي ذاتها قصة تغلب التشيّع في نزعته الفارسية بالمنطقة، وبدء المخططات الإيرانية في التسلل عبر مفاصل الشيعة العرب لخلق جيوب داخلية في الجسم العربي، نشهد اليوم جوانب منها.

 

فالتخلص من موسى الصدر كان يندرج ضمن مخطط شامل للتخلص من أيّ نفوذ عربي في التشيع، وخلط التشيّع بالنزعة القومية الفارسية المعادية للمصالح العربية، ولذلك استمرت محاولات الاغتيال في صفوف الزعامات الشيعية الإيرانية إلى سنوات قريبة، كانت من بينها محاولة الاغتيال التي تعرض لها محمد علي الحسيني رئيس المركز العـربي الإسـلامي عـام 2007، والتي اتهم فيها الحرس الثوري الإيراني علنا باستهدافه.

 

ولعل الاقتتال الذي حصل في بداية الثمانينات وحتى العام 2000 بين حزب الله وحركة أمل الشيعية في لبنان واحد من أوجه هذه المواجهة التي نظّر لها الخميني بين التشيّع الفارسي والتشيّع العربي، وعمل على تحويلها إلى مشروع سياسي إقليمي عنوانه “تصدير الثورة”.

 

فقد أنشأ موسى الصدر حركة أمل في النصف الأول من السبعينات في إطار المواجهة مع إسرائيل، لكن الخميني عمل على محاصرة تلك المبادرة بإنشاء تنظيم عسكري سياسي تكون الموالاة المطلقة لديه للنظام الإيراني في طهران عام 1982، بحيث أصبح حزب الله امتـدادا استراتيجيا وأمنيا لإيران في الداخـل اللبناني، على أسـاس أن يكـون الممثل الشرعيّ والوحيد للشيعة اللبنانيين.

 

وبعد أزيد من ثلاثة عقود على اغتيال موسى الصدر وإنشاء حزب الله، تبدو مسيرة التشيّع الفارسي واضحة الصورة في المنطقة، لأن التاريخ ليس مصادفات بل سلسلة مترابطة الحلقات تؤدّي حتما إلى هدف.

 

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه