2016-05-09 

المسألة المغربية: هل يمكننا الرهان على التيار الحداثي داخل الدولة

سعيد ناشيد

العرب - هذا هو السؤال المطروح اليوم على القوى العقلانية والعلمانية والمدنية في المغرب، سؤال يكاد يرقى إلى مستوى المسألة، التي من المناسب أن نصطلح عليها باسم المسألة المغربيةالعنوان مبرّر في كل أحواله، ومستساغ بكل المقاييس، لكن تبقى أمامنا مهمة ضرورية، أن نحاول إعادة صياغة المسألة بأسلوب واضح للعيان ومقنع للأذهان: هل هناك تيار حداثي حقيقي داخل الدّولة كما يقال، بحيث نستطيع الرهان عليه ولو في حدود معيّنة، وبحيث يمكننا، بالأحرى، أن نتعاون معه ولو في مجالات محدّدة؟

 

تكمن أهمية السؤال وأولويته في أننا ندرك إدراكا واضحا بأن دور الدولة، ونقصد بذلك دور مؤسسات الدولة، في بناء المشروع الحداثي لا محيد عنه ولا مناص منه في كل المنظورات؟ لكن، لنطلق العنان لما قد يخالف هذا الإمكان ويبطل هذا الرهان -وهذا البطلان ممكن طالما السياسة هي فن الممكن في الأول والأخير- فهل قدرنا، كقوى حداثية مغربية، هو الاكتفاء بالدور الاحتجاجي على هامش الدولة أو ضمن الهوامش المتاحة لنا؟ لكن إلى متى؟

 

في كل الأحوال، لا ننكر وجود تيار حداثي داخل الدولة المغربية اليوم، تيار تشكل في ظروف انتقالية استثنائية نعرفها ويعرفها الجميع، تيار معروف لدى عموم المثقفين كأشخاص يكافحون بصبر وأناة لأجل تحديث ما يمكن تحديثه، تيار نعرفه أيضا كهيئات تشتغل في ظروف غير مريحة، لكن من قـال إن الحداثـة في مجتمعات القدامة تجربة مريحة؟ كما لا ننكر أن هذا التيار موجود أحيانا في محيط بعض مراكز القرار السياسي الاستراتيجي. وكذلك لسنا نتجاهل بأن الأمر يتعلق بتيار صادق بعض الصدق ولديه نقاط قوة محددة وحاسمة، من بينها تركيزه على مجال الحريات الفردية بمختلف أنماطها الثقافية والدينية والجنسية. وإن كان هذا التركيز على الحريات الفردية حصرا لا يكفي، فضلا عن أنه قد لا يغطي أبعادا لا تخلو من بعض الحساسية، إلا أنه ضروريّ في كل أحواله، ولا غنى عنه لغاية ترسيخ قيم الحداثة وقواعد الديمقراطية في الأذهان كما في الأعيان، وفي النفوس كما في الرؤوس. لا سيما وأن غالبية الحركات السياسية المناضلة تفرط في ملف الحريات الفردية أو تؤجله أو تعتبره ثانويا أمام أولوية معركة الكراسي أو السلطة. وهذا خلل كبير في تدبير المشروع الحداثي.

 

لكن المشكلة أن التيار الحداثي داخل الدولة لا يزال ضعيف الحال، غامض المآل، يعمل بإمكانات لوجستية متقطعة، ومشاريع ثقافية مرتجلة، ووسائل مؤسساتية متعثرة، وفرق عمل بلا خبرة ويغلب عليها الطابع الاستعراضي، وعلى الأرجح فهو تيار تعوزه الرّوح النضالية، ويفتقد إلى مهارات التواصل العمومي والعزيمة العقلانية، وفوق ذلك يحاصره تيار محافظ متغلغل داخل دواليب الدولة وأجهزتها، لغاية التحكم في أهم منافذ تحديث العقليات وشلها؛ وتحاصره من جهة ثانية لوبيات الفساد المالي والإداري التي تفضل الرهان على تيارات دينية تترك الفساد يعيث، وتشغل الناس بموضوعات الحشمة والحياء والعفة وهلمّ جهلا.

 

 

مشكلة التيار الحداثي داخل الدولة أنه يريد أن يتحرك بموارد قليلة، وهوامش ضئيلة، وفي ظروف اختلال حاد في التوازنات السياسية لفائدة التيار الأصولي المحافظ الذي عرف من أين تؤكل الكتف، وعرف كيف يستثمر “الخوف” من تداعيات ما كان يسمى بـ“الربيع العربي” قصد التغلغل داخل مفاصل الدولة، وعرف كيف يستغل بعض الحوادث والأحداث هنا أو هناك لغاية تخويف “الدولة العميقة” من التيار التقدمي، وعرف، في آخر التحليل، كيف يستثمر تغول تيار أصولي شعبوي يخالفه في المظهر ويحالفه في الجوهر، ويجيد اللعب تحت الطاولة في انتظار لحظة الانفلات أو موعد التمكين.

 

عموما وحتى لا أطيل في التفاصيل، فالعبرة بالتحليل، يمكن تحديد معضلة الدولة في الغفلة عن أربع حِكم في فن إدارة الحُكم، وهي كذلك تمثل الحدّ الأدنى لممكنات المشروع الحداثي اليوم، من دونها ستبقى الغلبة والتمكين لفائدة قوى فقه التدافع، ومبدأ الولاء، وعقيدة التمكين:

 

الحكمة الأولى: إذا أردتَ التحكّم في أهم الأشياء، فلا تحاول التحكم في كل الأشياء.

الحكمة الثانية: يجدر بك تحمُّل الأصوات المزعجة على مطالبة الجميع بالصمت.

الحكمة الثالثة: انخفاض مستوى الذكاء العمومي يمثل خطرا كبيرا على الأمن العام.

الحكمة الرابعة: صحيح أن الحفاظ على التوازنات ضروريّ، لكن في ألعاب التوازن إذا لم تتحرّك إلى الأمام ستفقد توازنك في الأخير.. أظن أن هذا كل ما في الأمر الآن.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه