2016-05-10 

أغلى 300 ساعة في العالم!

عبدالسلام اليمني

من التزامات رؤية السعودية ٢٠٣٠ إطلاق برنامج «قوام»، الذي يهدف إلى رفع كفاءة الإنفاق العام، وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر، وتم استلهام برنامج «قوام» من قول الله سبحانه وتعالى (والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)، وسيتم خلال البرنامج إجراء مراجعة شاملة ودقيقة للأنظمة واللوائح المالية في جميع الأجهزة الحكومية، للتحول من التركيز على سلامة الإجراءات إلى مفهوم فاعلية الصرف وارتباطه بتحقيق أهداف محددة، يمكن قياس فاعليتها بما يحفظ استدامة الموارد والأصول والموجودات، كما يهدف البرنامج إلى نشر ثقافة كفاءة الإنفاق بين مختلف المستويات الإدارية في الجهات الحكومية، ابتداءً من المسؤول الأول لكل جهة، وسيتضمن البرنامج مسارات تدريب مختصة في هذا المجال لتطوير أداء الموظفين ذوي العلاقة، وتحسين الأداء في الإدارات المالية وإدارات المراجعة الداخلية.

 

هذا البرنامج في اعتقادي من أهم أولويات مرتكزات ومحاور رؤية السعودية ٢٠٣٠، لأنه من البُنى الرئيسة لإعادة تنظيم وهيكلة الحكومة والقطاعات التابعة لها فكراً وثقافة وممارسة، للخلاص من ضخامة وفخامة الإنفاق في جميع المجالات، والتي أصبحت من العلامات السلبية البارزة لهدر الموارد الوطنية.

 

على مدى خمسة عقود، والقلق ينتاب المسؤولين عن الطاقة في المملكة من تصاعد نسب استهلاك الكهرباء، حتى تجاوز ١٠ في المئة الصيف الماضي، ودخل ضمن أعلى نسب النمو العالمي في استهلاك الكهرباء، وهذا النمو يجر معه إهداراً لموارد الوطن من خلال حرق مزيد من الوقود المكافئ، واستخدام المياه، وتأثير سلبي في البيئة، وزيادة إنفاق على مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية.

 

تتحدث البيانات والأرقام المعلنة والمنشورة في وسائل الإعلام عما يأتي:

 

تُنفق الشركة السعودية للكهرباء سنوياً ما بين ٣٠ إلى ٤٠ بليون ريال على مشاريع توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية لمواجهة ذروة الحمل الأقصى في فصل الصيف، الذي بلغ صيف العام الماضي ٦٢ ألف ميغاوات، ووصلت قدرات التوليد المتاحة هذا العام إلى ٧٠ ألف ميغاوات، مع الأخذ في الاعتبار أن الأحمال تنخفض نحو ٨ أشهر في العام بنسبة تصل إلى ٥٠ في المئة، ويصرف على مشاريع التوليد سنوياً نحو ٦٠ في المئة من الموازنة الرأسمالية للشركة على مشاريع تعزيز قدرات التوليد، وبحسب ما أُعلن في مؤتمر المياه والكهرباء قبل أشهر، فإن الخطة تستهدف وصول قدرات التوليد المُتاحة إلى ١٠٠ ألف ميغاوات خلال السنوات العشر المقبلة بتكاليف قُدّرت بـ ٥٥٠ بليون ريال!

 

كُل هذا الإنفاق السنوي والمُستهدف الضخم يأتي من دعم الحكومة، والاقتراض بضمان الحكومة، ومن إيرادات الشركة التي لا تُغطي تكاليف الإنتاج والنقل والتوزيع. وكل هذا الإنفاق لمواجهة نحو ٣٠٠ ساعة سنوياً، تُسجلها أنظمة التحكم للحمل الذروي الأقصى لشبكة المملكة مع ارتفاع درجات الحرارة.

 

وفي المقابل تتحدث الأرقام عن أن قطاع المباني في المملكة يستهلك ما يقارب ٨٠ في المئة من الطاقة الكهربائية المُنتجة، وأجهزة التكييف تستهلك ٦٥ في المئة من الكهرباء في المباني، وهذا ما أشار إليه أخيراً المركز السعودي لكفاءة الطاقة، الذي يبذل جهوداً حثيثة لتنفيذ برامج تنظيمية وتثقيفية للحد من استهلاك الكهرباء والوقود المُكافئ.

 

أمامنا الآن رؤية للوطن، تتحدث عن التزام الحكومة برفع كفاءة الإنفاق العام، وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر، وأمامنا أرقام تتحدث عن مطاردة سنوية لنسب نمو عالية لمواجهة الطلب على الكهرباء، عائدها على الاستثمار ضعيف، لأن ٨٠ في المئة تُستهلك في المباني، وليس في طاقة كهربائية تُستخدم كمدخلات لقيمة مضافة، كما هو في دول صناعية تستهلك ٧٥ في المئة من الطاقة الكهربائية في الصناعة والإنتاج، وبذلك تتحقق القيمة العالية للعائد على الاستثمار.

 

ما هو الحل للحفاظ على الموارد ورفع كفاءة الأداء كما ورد في الرؤية ٢٠٣٠؟

 

أطرح بعض المُبادرات التي ربما تفتح الباب لمناقشات أكثر عُمقاً:

 

* إعداد دراسة عاجلة لإعادة تأهيل جميع المباني والمنشآت الحكومية والمساجد، لتكون صديقة للبيئة، ووضع خفض استهلاك التكييف على رأس الأولويات، ولا بد أن تكون الحكومة هي المبادر الأول حتى تكون قدوة لبرنامج أوسع نطاقاً.

 

* دعم البحث والتطوير لرفع كفاءات أجهزة التكييف وخفض استهلاكها للكهرباء، وتوقيع شراكات مع مراكز بحوث محلية وعالمية، والعائد الاقتصادي على المدى البعيد سيكون مجدياً عندما نصل إلى خفض نسب النمو في الطلب على الكهرباء في فصل الصيف، وبالتالي خفض الإنفاق على إنشاء مزيد من محطات التوليد.

 

* تشكيل فريق اقتصادي ومالي، لطرح بدائل الإنفاق الكبير والمتزايد على مشاريع توليد الطاقة الكهربائية السنوية، لخفض نسب النمو، وذلك بدراسة جدوى وتكاليف استبدال أجهزة التكييف والإنارة منخفضة الكفاءة في المنازل والمباني الحكومية، ولو بشكل مُتدرج وبخطة تتوافق مع الفترة الزمنية للرؤية.

 

* وضع حوافز مادية لجميع فئات المشتركين لخفض استهلاك الكهرباء وقت ذروة حرارة فصل الصيف، وتكون مُحفزة على التفاعل والاستجابة؛ وأذكر على سبيل المثال لتقريب الفكرة: ربما يتوصل الفريق الاقتصادي والمالي إلى أن إنفاق ثلاثة بلايين ريال على الحوافز التشجيعية لأجل خفض استهلاك الكهرباء، سيُجنب في المقابل الشركة السعودية للكهرباء (بدعم الحكومة) من إنفاق ١٥ بليون ريال لإنشاء محطة توليد جديدة لمواجهة - فقط - ذروة أحمال الصيف!

 

أطرح هذه الأفكار، والوطن بحاجة ماسة مع تنفيذ الرؤية الجديدة ٢٠٣٠ إلى قيادات تُفكّر بمنهجية اقتصادية واعية؛ تُحلل وتبتكر الأفكار الجديدة، تُحافظ على موارد ومُكتسبات الوطن، وتنسجم مع التطلعات الطموحة للرؤية، بدلاً من حلول عتيقة أكل عليها الزمن وشرب.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه