2016-11-10 

#ترامب ! #القلم ذو الرؤوس الأربعة!

عبدالله بن سعد العمري

في واشنطن قبيل يوم الانتخابات بعشرة أيام، التقيت في المجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية بأحد الأصدقاء الرائعين بحق، وهو ممن عمل بجهد كبير بحملة الوزيرة هيلاري كلينتون. قلت له ممازحا بلغة الشارع السعودي:

" تكفون! لازم تفوز هيلاري" فرد ممازحا وواثقا: " لا تخاف، نسبة احتمال فوز ترامب 0% " والحقيقة أن ذلك هو ما أقلقني وقتها، فيبدو أن من أسباب خسارة كلينتون هو الثقة التي نفخ في بالونها كل العالم بأن ترامب لا يصلح للرئاسة. 

 


هذا الأمر هو ما تنبه له الرئيس باراك أوباما أيضا، فقد ردد مرارا وتكرارا في واشنطن ونورث كارولاينا وغيرها للجمهور أنه لا داعي للحديث عن عدم أهلية ترامب، بل الواجب فعله هو التصويت لمنافسته! 


ولذلك، فما حصل بنظري هو أن جميع من لديه قلما وحنجرة وكتابا وإعلاما وتأثيرا قد صنعوا هذه التهمة عن ترامب بأنه لا يصلح للرئاسة، لكنهم نسوا أن يحثوا الناس على التصويت.

 

ظن الأمريكيين الموالين لكلينتون أن ترامب لن ينجح أبدا مع شحن الإعلام والمؤثرين المستمر ضده، وأن كلينتون فائزة لا محالة، وأن التصويت لكلينتون وهو الأهم أصبح فرض كفاية لا أكثر، إن قام به البعض سقط الإثم عن الباقين.

 

ولذا فاز ترامب بما سماه الإعلام الغربي بفضل الناخبين الصامتين الذين تنامى لديهم الحس بوجوب التغيير من المتعلم فيهم، وبالإحساس العنصري الذي نماه ترامب في نفوس بقية الناخبين له.


وعلى كل، فاليوم والمستقبل القريب أصبح لصالح ترامب على عرش الدولة الأولى بالعالم.


ترامب بنظري هو مثل القلم ذو الأربعة ألوان الذي كنا نستعمله صغارا في المدرسة، فاللون الأسود هو شعوره الحقيقي تجاه الملفات الداخلية المعقدة وتجاه السود، وهو شعور متباين، حيث فيه شكوك من ناحية العنصرية، لكن المفاجئ أنه كسب ولايات كـ ساوث ونورث كارولاينا وكنتاكي وغيرها من الولايات الفقيرة التي يقطنها السود بكثرة! لأنه وفي المقابل وعد بنظرته الاقتصادية أن يعيد الكثير من وظائف العمل والرعاية الصحية للطبقات الكادحة، مما شجع كثير من هؤلاء على انتخابه رغما عن شعورهم بالقلق الكبير نحوه.


أما اللون الأحمر فهو رأيه عن الملفات الدولية الساخنة وعن الأقليات التي جلبت الدم والعنف والخراب بنظره مثل المهاجرين المكسيكيين والمسلمين وغيرهم، الذين يظن ترامب أن معظمهم يجلبون إما المخدرات أو التشدد! كما يندرج تحت هذا اللون تعبيراته عن الصين وعن اقتصاد التنين الصيني الذي بات يبتلع النسر الأمريكي. وعموما فمعالجته لهذه القضايا هي النقطة الأهم التي يمكن أن تحول أمريكا في ولايته من دولة ديمقراطية إلى دولة منتهكة لحقوق الإنسان.

 

اللون الأزرق بعد ذلك هو ما يمثل لدى ترامب الدم الأمريكي النقي, وهو لون القلم الأكثر شهرة بالعالم قوة ونفوذا, إذ لا يعتقد ترامب أن هذا الدم الآري لديه الكثير من المشاكل في تاريخ الولايات المتحدة.


بقي لدينا اللون الأخضر، وهي المنطقة التي لن يحاول ترامب المساس بها أو تشويهها، وعلى الأحرى، فهي المنطقة التي يستحسن بنا كدبلوماسية سعودية التحرك من خلالها، وتنقسم هذه المنطقة باللون الأخضر على قسمين رئيسيين.


الأولى: وهي المصالح الأمريكية التي لن يكون لترامب تغييرها حسب المزاج أو الأهواء، إذ هذه المصالح الداخلية والخارجية هي ملك الأمة الأمريكية جميعها. وهي ومن حسن الحظ تتماس بقوة مع المصالح السعودية، فمنها على سبيل المثال لا الحصر أن العملة واحدة في النهاية، وعلى قولة المثل الشعبي " صبّه ردّه " فالريال مرتبط بالدولار، والدولار مرتبط بقوة النفط، وقوة النفط مرتبطة بالسعودية، والسعودية الحليفة الأبرز في هذه التحديات، ومن سيسألني مستقبلا " وأمريكا مرتبطة بمن؟ " سأجيبه إجابة ستيف هوكينج عندما قال: إن من يسأل ما هو الشيء الذي يقع خلف نقطة الانفجار الكبير للكون؟ هو كمن يسأل: ما هو الشيء الذي يقع خلف القطب الشمالي للكرة الأرضية؟


وأقول: إن ما يزعجني وما يفرحني في ترامب هو أنه رجل أعمال حقيقي! وما يزعجني في رجال الأعمال الحقيقيين كترامب، هو حتمية حبهم للمغامرات، كما ذكر ابن خلدون في المقدمة، من أن التاجر لا يكون تاجرا ما دام لا يقدم على ما يخاف! 


وأما ما يفرحني في التجار الحقيقيين كترامب أيضا، فهو حبهم أيضا للاستدامة والمكاسب المستقرة، وهي الصفة التي لن تجنيها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط بدون استقرار حليفتها السعودية. ولعل من المهم هنا للمقارنة بين الحلفاء أن نذكر أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الأكثر استقرارا في الشرق الأوسط اليوم، بل هي أكثر استقرارا حتى من إسرائيل، فهي تزيد عن استقرار إسرائيل بأنها الدولة المندمجة في البيئة العربية الإسلامية من الناحية الديموغرافية والدينية واللغوية، بالإضافة لحلفها الكبير مع الولايات المتحدة وتحكمها بالنفط وغيره. 

وعلى كل فذكرت هذا ليس للتذكير بقوة المملكة وإنما لذكر حاجة المصالح الخارجية الأمريكية في نهاية المطاف لاستقرار الخليج.


أما عن المنطقة الثانية باللون الأخضر، فهي المصالح الترامبية، حيث ترامب يعلم أن مدة حكمه لن تدوم إلى الأبد، ولذلك فسوف يبقي ترامب على تطوير أعماله الحرة ونفوذها. الأمر الذي يشعرنا بالتفاؤل لوجود مصالح شتى يمكن مخاطبتها في أسوء التقديرات.
 
 
عبدالله بن سعد العمري
أكاديمي وكاتب سياسي سعودي
الولايات المتحدة

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه