2017-03-19 

تحرير الكلمة، وفك القيود عن الأسئلة

مشاري الشلهوب

أول ما نزل من القرآن الآياتُ الأُولُ من سورة العلق، وهي قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم} (العلق:1-5)؛ ففيها معاني عظيمة فهي تشكل عنواناً للكتاب "القرآن" فالكتاب يجمع مقاصده في عبارة وجيزة في أوله.

 

ولا شك أن التأليف والقراءة المستمرة لهما فوائد لا تحصى سواءً على الفرد أو المجتمعات؛ فهي الوسيلة التي تجعلك تفكر، وتستخدم عقلك في التحليل، والاستنباط، والاستنتاج، وسقل قدراتك، وبناء عقلك باستخدام المعلومات التي تستسقيها من القراءة خصوصاً إن كانت قراءتك فيما ينقل من المصادر الموثوقة، ويُكتب بناءً على معاير أكاديمية محددة.


ولا أعتقد أن مشكلتنا في قلة الكتب أو ندرت القراء، ولكن ينقصنا أن نكتب بلا خوف، ونعبر بلا قيود، ونسطر بلا حواجز؛ وكل هذا النقص يجعلنا نكتب أحياناً بما لا نعتقد، ونذكر أحياناً ما لا نريد من الأساس ذكره، ونمدح أحياناً من لا نريد مدحه، وإنما مجبرون نحن على مدحه حتى لا تتعرض كلماتنا للإيقاف أو تمنع أقلامنا من الكتابة.

 

عندما تقرأ كتاباً أو مقالاً لكُتاب من جلدتنا تستغرب من أن الكلمات فيهما محبوسة، وكأنها تريد أن تتحرر، وكأن الأحرف تود لو أنها تصرخ لتخرج المعنى الحقيقي الذي يدور بداخلها، فكتبنا ومقالاتنا وكتاباتنا ليس لها طعم في غالبها، ولا تأثير في مجملها، لأنها محبوسة، ولا يمكن منها أن تأُثر حتى تتحر من قيود هذا الحبس المذل.

 

لا يمكن لعقلٍ رشيد أن يبرر للناس عدم قراءة كتب معينة بحجة أنها يمكن أن تؤثر على معتقدات أو أفكار من يقرأها، وخصوصاً إن كان المخاطبون عاقلون بالغون احرارا، ولا يمكن لعقل حصيف أن يطلب من البشر عدم التفكير الدقيق، وطرح الأسئلة التي يمكن منها أن توسع مداركهم، وتعلي أفاقهم بحجة أن تلك الأسئلة لا نفع لها، ويمكن منها أن تلبس الحق بالباطل.

 

دعني أخبركم قصة مع أني لا أجيد سرد القصص؛ في مرحلة الثانوي كنت مولعاً بالفيزياء، وكان من المنهج نظرية أينشتاين النسبية؛  فأخبرنا الأستاذ "المفكر القدير" أن هذه النظرية ليست في مقرر الامتحان، وذلك أنها ضربٌ من الخيال، ومجرد فكرة مجنون من عالم مجنون. 

صدقت كلامه حينها، وفرحت أنها لن تكون في المقرر، وبعد أكثر من عشر سنوات قرأت النظرية، وتأملتها، وقرأت ما قيل عنها، وما تسببت به من نشوء علم جديد ألا وهو الفيزياء الكونية، وكيف أنها أضافت للعالم وللعلم وللعلماء الكثير، وحتى يومنا هذا كثير من رسالات الدكتوراه مرتبطة بها، وتدور عليها وحواليها.   


وعندما التحقت في الجامعة سألت أحد الأساتذة ما إذا كانت الشمس تدور حول الأرض أو العكس؛ فأجاب بأن هذه الأسئلة لا نفع منها ولا فائدة، وأن الإنسان عليه أن يطلب العلم، ولا يلتفت لمثل هذه الأسئلة التي لن تنفعه في دنياه أو آخرته، أرتفع في عيني هذا الاستاذ حينها، وبعد ستة سنوات سقط؛ لأني اكتشفت بعدها أن الأسئلة هي التي تصنع العلم، وهي التي تظهر الحقائق، وهي التي تبني النظريات. فلو نظرنا إلى نيوتن ذاك العالم العظيم بدأ فكرت نظرية المشهورة في اكتشاف الجاذبية من سؤال، ويعتبر هذا السؤال من أعظم الأسئلة التي طرحها العلماء الحقيقيون ألا وهو " لماذا التفاحة تسقط على الأرض والقمر لا يسقط من السماء"؟ سؤال عندما تقرأه تستسخفه، ولكن دعني أخبركم بأنه عندما أكتشف الجواب تفجر العلم، وتنوعت الاختراعات، ولا تكاد تجد اختراع لم يستفد من نظرية نيوتن الشهيرة حول الجاذبية.

 

يجب علينا أن لا نستسخف الفكرة حتى نستوعبها بجميع أبعادها، ولا نحجب سؤالاً حتى نكتشف الجواب الحقيقي له أو نصل للجواب الذي لا يخالف العقل، ولا يعارض النقل الصحيح، والمنطق السليم؛ فحاجتنا لطرح الأسئلة، واكتشاف الأجوبة فطرة فطرنا الله عليها، فأنظر إلى نبي الله إبراهيم ماذا قال لربه: ربي أرني كيف تحي الموت! 
وأنظر إلى جواب الله له : أولم تؤمن! 

وأنظر إلى الإثبات الذي أراه الله لإبراهيم: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم أجعل على كل جبلِ منهن جزءًا ثم أدعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيزٌ حكيمٌ! (البقرة: 260).

 

وأختم فأقول الأسطر المحبوسة لا بد أن تتحرر، والأفكار المحجوبة لا بد أن تطرح، وحرية التعبير لا بد أن يمنح إذا أردنا أن نسود المجتمعات، وننشر الثقافة، ونكتشف العلوم والاختراعات، وإلا سنبقى على حالنا محبوسة أسطرنا، ومكبوتة أفكارنا، تعابيرنا معتقلة.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه