2016-02-17 

هل يهزم الغرب نفسه أمام الإرهاب؟

وحيد عبد المجيد


الاتحاد - لا يختلف موقف المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، الذي يحترف نشر الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، سواء حقق تقدماً في السباق التمهيدي إلى هذه الانتخابات، أو تراجع مركزه فيها. فعندما خسر الجولة التمهيدية الأولى لاختيار مرشح الحزب الجمهوري في «أيوا» قبل أسبوعين زعم أنه يدفع ثمن «شجاعته» في مواجهة «الإرهاب» الذي يشمل عنده كل ما يتعلق بالإسلام. وحين فاز في جولة «نيوهامشير» الأسبوع الماضي، صار هذا دليلاً على حاجة أميركا إليه لمواجهة «الإرهاب» على رغم أن الكثير من السياسيين والمثقفين الأميركيين يرون أن خطابه العنصري هو أكثر ما يفيد «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية في سعيها إلى تجنيد أنصار جدد.

 

ولذلك لم يبالغ المفكر الفرنسي برنار ليفي عندما قال لشبكة «سي.إن.إن» قبل عدة أسابيع إن أي إرهابي يتمنى فوز ترامب في الانتخابات الأميركية القادمة. كما عبرت المرشحة المحتملة بدورها لهذه الانتخابات، ولكن عن الحزب «الديمقراطي»، هيلاري كلينتون عن الأثر الأشد خطراً لخطاب ترامب وما يماثله في الغرب الآن عندما قالت إن (ترامب أصبح أفضل مُحبَّذ لتنظيم «داعش»). ولكن مرشحاً محتملاً آخر هو مارتن أومالي نفذ إلى عمق القضية في شمولها بقوله «نستطيع مواجهة الإرهابيين إذا لم نتخل عن قيمنا، وتصدينا للدعوات الفاشية ضد المسلمين.

 

 

وهذا أهم ما ينبغي على المعنيين بمواجهة الإرهاب في الغرب إدراكه، وهو أن خطر الإرهاب يزداد حين ينجح في دفع من يستهدفهم إلى التخلي عن أنماط حياتهم وقيمهم، فيتصرفون بطريقته أو ما يشبهها.

 

وهذه هي الحالة الوحيدة التي يبدو فيها الإرهاب كما لو أنه «ينتصر». غير أن هذا ليس انتصاراً له، بل خطأ في منهج مواجهته. فالإرهاب بطابعه ليس مؤهلاً لأن ينتصر. وإذا بدا الأمر غير ذلك، فهو يعني نجاح الإرهاب في إرغام من يستهدفهم على أن يتصرفوا بطريقة خاطئة في مواجهته، فيتخلوا عن التفكير العقلاني، ويتعصبوا ويتطرفوا في مواقفهم نتيجة قتل عشرات أو مئات في فرنسا أو أميركا أو غيرهما. فأحد أهم ما يسعى الإرهاب لتحقيقه هو دفع ملايين الناس في البلاد الغربية التي يستهدفها إلى التعصب ضد المسلمين لخلق أجواء حروب ذات صبغة دينية.

 

ولذلك فالطريقة الرشيدة في مواجهة الإرهاب هي تلك التي تمثل نقيضاً لما يهدف إليه، وتساهم في منعه من تحويل العالم إلى ساحة حرب مفتوحة لمعارك انتقامية متبادلةوربما يكون أكثر ما يهدد الغرب من جرَّاء الإرهاب على هذا النحو هو أن يفقد عقلانيته وحداثته اللتين قامت عليهما نهضته، أو يتزعزع إيمان قطاعات في مجتمعاته بهما، فتتخلى عن قيمة التسامح التي لا تُلغي الحق في الرد، ولكن عبر تلمس السبيل الصحيح إلى مواجهة الإرهاب، وليس الاندفاع إلى الطريق الذي يقود في نهايته إلى إلحاق الهزيمة بالذات.

 

وهذا هو الاختبار الصعب الذي يواجه الغرب منذ هجمات باريس الإرهابية في 13 نوفمبر الماضي. فقد ارتفعت أصوات تحرّض ضد المسلمين في الغرب. وعلى رغم أن هذه الأصوات تثير استهجان مَن يخشون عواقبها، إلا أن بعضها يُحدث دوياً خطيراًوتنوب هذه الأصوات عن «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية في العمل على تحقيق بعض ما يستهدفه. فعندما تدعي زعيمة «الجبهة الوطنية» في فرنسا مارين لوبن مثلاً وجود تناقض بين المسلمين والمسيحية في «فرنسا الكاثوليكية»، فهي تخون ثقافة التنوير الأوروبية الأصل، وتنقض الأساس الذي تقوم عليه الدولة الفرنسية، وتساعد الإرهاب على خلق أجواء حروب تتشح برداء ديني.

 

ولعل أخطر تحدٍّ يواجه الغرب في هذا الاختبار هو أوضاع المسلمين في بلاده وعلى أبواب بعضها. فقد امتلك زمام المبادرة في الأسابيع الأخيرة من يضغطون لغلق الأبواب أمام المهاجرين بدلاً من احتضان من تسمح الظروف باستيعابهم بوصفهم ضحايا للإرهاب وهاربين من جحيم الحرب السورية، بل ينادي بعضهم بطرد مواطنين أبرياء انتقاماً منهم بسبب هويتهم.

 

وقد حدث ذلك منذ الساعة التي وقعت فيها هجمات باريس، أي من دون تفكير أو استماع لأصوات عاقلة حاولت التنبيه مبكراً جداً إلى مغبة هذا الاندفاع، مثل صوت آن بلياوم الأستاذ في جامعة فلورنسا في مقالة مهمة نشرتها «واشنطن بوست» في 14 نوفمبر (اليوم التالي للهجمات) تحت عنوان «لا صلة بين هجمات الإرهاب وقضية اللاجئين».

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه